من شعر الحكمة
سل الأيام ما فعلت بكسرى / وقيصر والقصور وساكنيها
أما استدعتهم للموت طرا / فلم تدع الحليم ولا السفيها
دنت نحو الدني بسهم خطب / فأردته وواجهت الوجيها
أما لو بيعت الدنيا بفلس / أنفت لعاقل أن يشتريها
....................................................................
إذا جار الأمير وحاجباه / وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل / لقاضي الأرض من قاضي السماء
...........................................................................
لي في فناء الخلق أعظم عبرة / لمن كان في بحر الحقيقة راق
شخوص وأشكال تمر وتنقضي / فتفنى جميعا والمهيمن باق
...........................................................................
قال أحد الأدباء للمأمون : " يا أمير المؤمنين إني أدخر لك شكرا وثناء حرا ومديحا بكرا "
فقال له :" وهل مثلي يحتاج إلى شكر مثلك ؟ "
فقال : " يا أمير المؤمنين لا تحرك به لسانك لتعجل به "
ثم أنشأ قائلا :
فلو كان يستغني عن الشكر مالك /لكثرة مال أو علو مكان
لما أمر الله العباد بشكره / وقال اشكروني أيها الثقلان
...........................................................................
عش ما بدالك سالما / في ظل شاهقة القصور
يسعى إليك بما اشتهيت / لدى العشية والبكور
وإذا النفوس تغرغرت / بزفير حشرجة الصدور
فهناك تعلم صادقا / ما كنت إلا في غرور
...........................................................................
يا مدعي الكبر إعجابا بصورته / انظر خلاك فإن النتن تسريب
لو فكر الناس ماذا في بطونهم / ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
يا ابن التراب ومأكول التراب غدا / أقصر فإنك مأكول ومشروب
على قدر أهل العزم تأتي العزائم / وتأتي على قدر الكرام المكارم
ويكبر في عين الصغير صغيره / وتصغر في عين العظيم العظائم
...................................................................................
إذا امتلأت كف اللئيم من الغنى /تفايض كالمرحاض فاح وأنتنا
أما كريم الأصل كالغصن كلما / تحمل أثمارا تواضع وانحنى
...................................................................................
وكان الصديق أبو بكر – رضي الله عنه – يحب أن ينشد :
لا تأمنن وإن أمسيت في حرم / إن المنايا بجنبي كل إنسان
فاسلك سبيلك وامش غير مختشع / حتى تلاقي الذي منى لك الماني
...................................................................................
ما للشمع يبكي في مواقده / أمن حرقة النار أم من فرقة العسل
من لم تجانسه فاحذر أن تجالسه / ما ضر بالشمع إلا صحبة الفتل
...................................................................................
فكيف يلذ العيش من كان موقنا / بأن المنايا بغتة ستعاجله
فتسلبه ملكا عظيما ونخوة /وتسكنه البيت الذي هو آهله
وكيف يلذ العيش من هو عالم / بأن إله الخلق لا بد سائله
فيأخذ منه ظلمه لعباده / ويجزيه بالخير الذي هو فاعله
...................................................................................
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا / فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه / يدعو عليك وعين الله لم تنم
...................................................................................
إن الفضائل كلها لو جمعت / رجعت بجملتها إلى شيئين
تعظيم أمر الله جل جلاله/ والسعي في إصلاح ذات البين
..............................................................................
حكي أن أعرابيا وجد ذئبا صغيرا قد ضل أمه فأخذه ورباه على لبن غنيمات له , حتى شب وكبر, وذات يوم خرج الأعرابي لبعض شأنه فلما أن رجع وجد الذئب قد أكل النعجة التي تربى على لبنها فأنشأ يقول :
بقرت شويهتي وفجعت قلبي / وأنت لشاتنا ولد ربيب
ربيت بلبنها ونشأت فينا / فمن أنبأك أن أباك ذيب
إذا كان الطباع طباع سوء/ فلا أدب يفيد ولا أديب
...................................................................................
قال بعضهم يصبر صديقا له على ضر مسه ومصيبة حلت به :
إن الذي عقد الذي انعقدت له / عقد المكاره فيك يملك حلها
صبرا فإن الصبر يعقب راحة /ولعلها أن تنجلي ولعلها
فأجابه قائلا :
صبرتني ووعظتني وأنا لها /وستنجلي بل لا أقول لعلها
ويحلها من كان صاحب عقدها / كرما به إذ كان يملك حلها
...................................................................................
فيا عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكة / وتسكينة أبدا شاهد
وفي كل شيء له آية /تدل على أنه الواحد
................................................................
..لا تغتر بالذنب الصغير ولا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت ( فقد طرد آدم من الجنة بسبب لقمة , وطرد إبليس من رحمة الله بسبب سجدة ) وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ( إياكم ومحقرات الذنوب )
وكم من أكلة منعت أخاها / بلذة ساعة أكلات دهر
وكم من طالب يسعى لشيء / وفيه هلاكه لو كان يدري
..................................................................................
بفرد خطيئة وبفرد ذنب / من الجنات أخرجت البرايا
فكيف وأنت تطمع في دخول / إليها بالألوف من الخطايا
................................................................................... .................................................. ..............................
يا ناظرا يرنو بعيني راقد/ ومشاهد الأيام غير مشاهد
منتك نفسك وصلة فأبحتها / سبل الرجاء وهن غير قواصد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي / درج الجنان بها وفوز العابد
ونسيت أن الله أخرج آدما / منها إلى الدنيا بذنب واحد
..................................................................................
فإن اليسر بعد العسر يأتي / وعند الضيق تنفرج الكروب
وكم جزعت نفوس من أمور/ أتى من بعدها فرج قريب
تصبر إن عقبى الصبر خير /ولا تجزع لنائبة الدهور
...................................................................................
دع الحرص على الدنيا / وفي العيش فلا تطمع
ولا تكثر من المال / فلا تدري لمن تجمع
فإن الرزق مقسوم / وسوء الظن لا ينفع
فقير كل من يطمع / غني كل من يقنع
...................................................................................
ولدتك أمك يا ابن آدم باكيا / والناس حولك يضحكون سرورا
فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكوا / في يوم موتك ضاحكا مسرورا
..................................................................................
أرى أناسا بأدنى الدين قد قنعوا / ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما / استغنى الملوك بدنياه عن الدين
...................................................................................
إذا كنت في نعمة فارعها / فإن الذنوب تزيل النعم
وحطها بشكر لرب العباد / فرب العباد سريع النقم
وإياك والظلم مهما استطعت/ فظلم العباد شديد الوخم
وسافر بقلبك بين الورى / لتبصر آثار من قد ظلم
فتلك مساكنهم بعدهم / شهود عليهم ولا تتهم
.................................................................................
أما في نبي الله يوسف أسوة / لمثلك مسجون على الظلم والإفك
أقام جميل الصبر في السجن مدة / فآل به الصبر الجميل إلى الملك
...................................................................................
ولو أن الحياة تبقى لحي / لعددنا أضلنا الشجعانا
فإذا لم يكن من الموت بد / فمن العار أن تكون جبانا
...................................................................................
جزى الله الشدائد كل خير / وإن كانت تغصصني بريقي
أراها فهي مقياس صحيح / عرفت به عدوي من صديقي
...................................................................................
إذا ما الدهر جار على أناس / بكلكله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا / سيلقى الشامتون كما لقينا
...................................................................................
سل الله من فضله واتقه /فإن التقى خير ما تكتسب
ومن يتق الله يرفق به / ( ويرزقه من حيث لا يحتسب )
..................................................................................
ودع النفاق لأهله / وعليك فالتمس الطريقا
وارغب بنفسك أن ترى / إلا عدوا أو صديقا
........................................................................
عن الحياء :
إذا جاريت في خلق دنيئا / فأنت ومن تجاريه سواء
رأيت الحر يجتنب المخازي / ويحميه من الغدر الوفاء
وما من شدة إلا سيأتي / لها من بعد شدتها رخاء
لقد جربت هذا الدهر حتى / أفادتني التجارب والعناء
إذا ما رأس أهل البيت ولى / بدا لهم من الناس الجفاء
يعيش المرء ما استحيا كريما / ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش خير / ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
إذا لم تخش عاقبة الليالي / ولم تستحي فاصنع ما تشاء
...................................................................................
قال الحكيم : (إذا صنعت لأحد معروفا فحذار أن تذكره ، وإذا صنع لك أحد معروفا فحذار أن تنساه )
إذا صنعت إلى أخيك صنيعة / فانس الصنيعة
والشكر من طبع الفتى / والكفر من لؤم الطبيعة
والصبر أكرم صاحب / فاصحبه إن نزلت فجيعة
....................................................................................
أنت في الناس تقاس / بالذي اخترت خليلا
فاصحب الأخيار تعلو / وتنل ذكرا جميلا
.................................................................................
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا / إن بر عندك فيما قال أو فجرا
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره / ولقد أجلك من يعصيك مستترا
..................................................................................
احذر عدوك مرة / واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق / فصار أعرف بالمضرة
.............................................................................
وأنا في الدنيا كراكب لجة / أظن بقاء والزمان بي يسري
أليس من الخسران أن لياليا / تمر بلا نفع وتحسب من عمري
.................................................................................
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها / على الناس واعلم أنها تتقلب
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت / ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب
...............................................................................
إذا المرء لم يعتق من المال نفسه / تملكه المال الذي هو قاتله
ألا إنما مالي الذي أنا منفق / وليس لي المال الذي أنا تاركه
.................................................................................
كن ابن من شئت واكتسب أدبا / يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا / ليس الفتى من يقول كان أبي
..........................................................................
لعمري ما الإنسان إلا بدينه / فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس / وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب
..................................................................................
اصبر على كيد الحسود / فإن صبرك قاتله
النار تأكل بعضها / إن لم تجد ما تأكله
..............................................................................
إن شئت قتل الحاسدين تعمدا / من غير ما دية عليك ولا قود
وبغير سم قاتل وصوارم / وعقاب رب ليس يغفل عن أحد
عظم تجاه عيونهم محسودهم / فتراهم موتى النفوس من الكمد
ذوب المعادن باللظى لكنما / ذوب الحسود بحر نيران الحسد
.................................................................................
وإذا أراد الله نشر فضيلة / طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت / ما كان يعرف طيب عرف العود
................................................................................
دع الحسود وما يلقاه من كمد ه / كفاك منه لهيب النار في جسده
إن لمت ذا حسد فرجت كربته / وإن سكت فقد عذبته بيده
.............................................................................
دع المقادير تجري في أعنتها / ولا تبيتن إلا خالي البال
ما بين غمضة عين وانتباهتها / بغير الله من حال إلى حال
...........................................................................
دع الأيام تفعل ما تشاء / وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي / فما لحوادث الدنيا بقاء
...................................................................................
يخاطبني السفيه بكل قبح /فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما / كعود زاده الإحراق طيبا
.................................................................................
ولم يبق من اللذات إلا / محادثة الرجال ذوي العقول
وقد كانوا إذا عدوا قليلا / فقد صاروا أقل من القليل
...................................................................
إن الكريم إذا تمكن من أذى / جاءته أخلاق الكرام فأقلعا
وترى اللئيم إذا تمكن من أذى / يطغى فلا يبقي لصلح موضعا