للشاعر صالح بن عبد القدوس أحد شعراء الدولة العباسية :
صَرَمَتْ حِبَاْلَكَ بَعْدَ وَصْلِكَ زَيْنَبُ *** والدهر فيه تصرّم وتقلبُ
نشرت ذوائبها التي تزهو بها *** سوداً ورأسك كالنعامة أشيبُ
واستنفرتْ لما رأتك وطالما *** كانت تحنُّ إلى لقاك وترهبُ
وكذاكَ وصل الغانيات فإنه *** آل ببلقعة ٍ وبرق خلبُ
فَدَعِ الصِّبا فَلَقَد عَدَاكَ زَمَانُهُ *** وازْهَدْ فَعُمْرُكَ منه ولّى الأَطْيَبُ
ذهب الشباب فما له من عودة *** وأتى المشيب فأين منه المهربُ
ضيفٌ ألمَّ إليك لم تحفل به *** فَتَرى له أَسَفا وَدَمْعا يسْكُبُ
دَعْ عَنْكَ ما قَدْ فات في زَمَنِ الصِّبا *** واذكر ذنوبكَ وابكها يا مذنبُ
واخْشَ مناقَشَة َ الحِسَابِ فإِنَّه *** لا بدّ يحصى ما جنيت ويكتبُ
لم يَنْسَهُ المَلِكانِ حين نَسِيْتَه *** بَلْ أَثْبَتَاهُ وَأَنْتَ لاهٍ تَلْعَبُ
والروح فيك وديعة أودعتها *** ستردّها بالرغم منك وتسلبُ
وَغُرورُ دُنْياكَ التي تَسْعَى لها *** دارٌ حَقِيقَتُها متاعٌ يَذْهَبُ
والليل فاعلم والنهار كلاهما *** أَنْفَاسُنا فيها تُعَدُّ وَتُحْسَبُ
وجميعُ ما حَصَّلْتَهُ وَجَمَعْتَهُ *** حَقًّا يَقِينا بَعْدَ مَوْتِكَ يُنْهَبُ
تَبًّا لدارٍ لا يَدُومُ نَعيمُها *** ومشيدها عما قليل يخربُ
فاسمعْ ، هُديتَ ، نصائحا أَوْلاكها *** برٌ لبيبٌ عاقلٌ متأدبُ
صَحِبَ الزَّمانَ وَأَهْلَه مستبصرا *** ورأى الأمورَ بما تؤوب وتُعْقَبُ
أَهْدى النَّصيحة َ فاتَّعظ بمقالة *** فهو التقيُّ اللوذعيُّ الأدربُ
لا تأمن الدهر الصروف فإنه *** لا زال قدماً للرحال يهذبُ
وكذلك الأيام في غدواتها *** مرت يذلُّ لها الأعزُّ الأنجبُ
فعليك تقوى الله فالزمها تفزْ *** إِنَّ التّقِيَّ هو البهيُّ الأَهْيَبُ
واعْمَلْ لطاعته تَنَلْ مِنْهُ الرِّضا *** إنَّ المطيع لربه لمقربُ
فاقْنَعْ ففي بَعضِ القناعَة ِ رَاحَة ٌ *** واليَأْسُ ممّا فات فهو المَطْلَبُ
وَتَوَقَّ من غَدْرِ النِّساءِ خِيَانَة ً *** فجميعهن مكائد لكّ تنصبُ
لا تأمن الأنثى حياتك إنها *** كالأُفْعُوانِ يُراعُ منه الأَنْيُبُ
لا تأمن الأنثى زمانك كله يوما *** وَلَوْ حَلَفْتْ يَمينا تَكْذِبُ
تُغري بطيب حَديْثِها وَكَلامِها *** وإذا سطت فهي الثقيل الأشطبُ
وابدأ عَدُوَّكَ بالتَّحِيَّة ِ ولتكنْ *** مِنْهُ زمانَك خائفا تترقَّبُ
واحْذَرْهُ يوما إِنْ أتى لك باسما *** فاللَّيْثُ يَبْدو نابُه إذْ يَغْضَبُ
إنَّ الـعـدوُّ وإنْ تـقـادَمَ عهـدُهُ *** فـالـحـقدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغَّيبُ
وإذا الصديق لقيته متعلقاً *** فهو العدوُّ وحقُّه يُتَجنَّبُ
لا خير في ودِّ امرءٍ متملقٍ *** حلو اللسان وقلبه يتلهبُ
يلقاك يحلف أنه بك واثقٌ *** وإِذا توارى عنك فهو العَقْرَبُ
يعطيك من طرف اللسان حلاوة *** ً وَيَرُوغُ مِنْكَ كما يَروغُ الثَّعْلَبُ
وَصِـلِ الـكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ *** فـالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ
واختَرْ قَرِيْنَك واصْطَفِيهِ مُفَاخِرا *** إِنّ القَرِيْنَ إلى المقْارَنِ يُنْسَبُ
إنَّ الغنيَّ من الرجال مكرمٌ *** وتراه يرجى ما لديه ويرهبُ
وَيُبَشُّ بالتَّرْحِيْبِ عِندَ قُدومِهِ *** ويقام عند سلامه ويقربُ
والفَقْرُ شَيْنٌ للرِّجالِ فإِنَّهُ *** يزرى به الشهم الأديب الأنسبُ
واخفض جناحك للأقارب كلهم *** بتذللٍ واسمح لهم إن أذنبوا
ودع الكذوب فلا يكن لك صاحباً *** إِنّ الكذوب يَشينُ حُراً يَصحَبُ
وَذَرِ الحَسُودَ ولو صفا لَكَ مرَّة ً *** أبْعِدْهُ عَنْ رُؤْيَاكَ لا يُسْتجْلَبُ
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن *** ثرثارَة ً في كلِّ نادٍ تَخْطُبُ
و احفظ لسانك واحترز من لفظه *** فالمرء يسلم باللسان ويعطبُ
والـسِّـرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ *** إنَّ الـزجـاجـةَ كسرُها لا يُشعَبُ
وَاحْرَصْ على حِفْظِ القُلُوْبِ مِنَ الأَذَى *** فرجوعها بعد التنافر يصعبُ
إِنّ القُلوبَ إذا تنافر ودُّها *** شِبْهُ الزُجَاجَة ِ كسْرُها لا يُشْعَبُ
وكذاك سِرُّ المَرْءِ إنْ لَمْ يَطْوِهِ *** نشرته ألسنة ٌ تزيد وتكذبُ
لاْ تَحْرَصَنَ فالحِرْصُ ليسَ بِزَائدٍ *** في الرزق بل يشقي الحريص ويتعبُ
وَيَظَلُّ مَلْهُوفا يَرُوْمُ تَحَيُّلاً *** والرِّزْقُ ليس بحيلة يُسْتَجْلَبُ
كم عاجزٍ في الناس يؤتى رزقهُ *** رغداً ويحرم كيس ويخيبُ
وارعَ الأمـانـةَ والخيانةَ فاجتنبْ *** واعـدِلْ ولا تـظلمْ يَطبْ لكَ مكسبُ
وإذا بُلِيْتَ بِنْكبَة ٍ فاصْبِرْ لها *** من ذا رأيت مسلّماً لا ينكبُ
وإذا أصـابـكَ نكبةٌ فاصبـرْ لهـا *** مـن ذا رأيـتَ مـسـلَّماً لا يُنْكبُ
وإذا رُمـيـتَ مـن الزمانِ بريبـةٍ *** أو نـالـكَ الأمـرُ الأشقُّ الأصعبُ
فـاضـرعْ لـربّـك إنه أدنى لمنْ *** يـدعـوهُ مـن حبلِ الوريدِ وأقربُ
كُـنْ مـا استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ *** إنَّ الـكـثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ
واحـذرْ مُـصـاحـبةَ اللئيم فإنّهُ *** يُـعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
واحـذرْ مـن المظلومِ سَهماً صائباً *** واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ
وإذا رأيـتَ الـرِّزقَ عَـزَّ ببلـدةٍ *** وخـشـيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ
فـارحـلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا *** طـولاً وعَـرضاً شرقُهـا والمغرِبُ
فـلـقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي *** فـالـنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَـبُ
خُذْها إِلَيْكَ قَصِيْدَة ً مَنْظُومَة ً *** جاءَتْ كَنَظْمِ الدُّرِّ بَلْ هِيَ أَعْجَبُ