رَوَى مُسْلِم ُفِي صَحِيْحِه ِعَنْ أنَسٍ بنِ مالِكٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - أنَّ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ :
« أُعْطِيَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ شَطْرَ الْحُسْنِ » ..
ذَكَرَ الشَّيْخُ الألْبانِيّ فِي"السِّلْسِلَة الصَّحِيْحَة" أنَّ هَذا الحَدِيْثَ رَواه أحْمَدُ ، وَأبُو بَكْرٍ بنُ أبِي شَيْبَة َفِي"المُصَنَّف"، وَالواحِديّ فِي "تَفْسِيْرِهِ"، وَأخْرَجَهُ ابنُ جَرِيْرٍ فِي"التَّفْسِيْر" ، وَقالَ الحاكِمُ أنَّهُ: (صَّحِيْحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِم) ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيّ ..
وَمَعْنَى شَطْر: النِّصْف..وَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَماءُ فِي تأوِيْلِ ذلِكَ الشِّطْرِ :
* فقِيْلَ : أوتِي شَطْرَ حُسْنِ آدَم َ..
قالَ الحافِظ ُابنُ كَثِيْرٍ فِي "البِدايَة وَالنّهايَة" :
(كانَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حُسْنِ آدَم -عَلَيْهِ السَّلامُ- ، وَهَذا مُناسِبٌ فإنَّ اللهَ خَلقَ آدَم وَصَوَّرَهُ بِيَدِهِ الكَرِيْمَةِ وَنَفَخَ فِيْهِ مِنْ رُوْحِهِ ، فما كانَ لِيَخْلقَ إلّا أحسَنَ الأشْباهِ ) اهـ
وَقالَ السُّهَيْلِيّ وَغَيْرُهُ مِنَ الأئِمَّةِ :
(كانَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حُسْنِ آدَم -عَلَيْهِ السَّلامُ- لأنَّ اللهَ تَعالَى خَلقَ آدَمَ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيْهِ مِنْ رُوْحِهِ، فكانَ فِي غايَةِ نِهاياتِ الْحُسْنِ البَشَرِيّ ) اهـ .
* وَقِيْلَ : أوتِي شَطْرَ حُسْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
قالَ الإمامُ ابنُ القَيِّم ِ- رَحَمَهُ اللهُ - فِي"بَدائِع الفوائِد" :
(..المُرادُ مِنْهُ أنَّ يُوسُفَ أوتِي شَطْرَ الحُسْنِ الذِي أوتِيَهُ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فالنَّبِيُّ بَلغ الغايَةِ فِي الحُسْنِ ،وَيُوسُفُ بَلغ شَطْرَ تِلْكَ الغايَةِ .. وَيُحَقُّقُ ذلِكَ ما رَواه التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيْثِ قَتادَةَ عَنْ أنَسٍ ، قالَ :
« مَا بَعَثَ اللَّه نَبِيّاً إِلَّا حَسَن الْوَجْه حَسَن الصَّوْت وَكَانَ نَبِيّكُمْ أَحْسَنهمْ وَجْهاً وَأَحْسَنهمْ صَوْتاً » ) اهـ .
* وَقِيْلَ: أوتِي شَطْرَ الحُسْنِ مُطْلَقاً ..
قالَ الإمامُ الشَّوْكانِيُّ :
( فإنَّه -عَلَيْهِ السَّلامُ- قَدْ أوتِي نِصْفَ الحُسْنِ كَما ثَبُتَ فِي صَّحِيْحِ مُسْلِم أنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمّا أسْرِي بِهِ وَوَصَلَ السَّماءَ الثَّالِثَة َقالَ :
«فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ -عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلامُ - ، إِذَا هُوَ قَدِ اُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ» ) اهـ .
* وَقِيْلَ: أوتِي يُوسُفُ وَأمُّه ُثُلُثَ الحُسْنِ..
رَوَى إسْحاقُ بنُ رَاهَوَيهْ مِنْ حَدِيْثِ شُعْبَة َعَنْ أبِي إسْحاقَ ، قالَ :
قالَ أبُو الأحْوَصَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ :
أوتِي يُوسُفُ وَأمُّه ُثُلُثَ الحُسْنِ..
* وَجاءَ فِي "رَبيْع الأبرار" للزَمَخْشَرِيّ :
( قالَ كَعْبُ الأحْبار ِ:
"قَسَّمَ اللهُ الحُسْنَ عَشْرَةَ أعْشارٍ ، فأعْطَى آدَمَ تِسْعَةَ َ أعْشارٍ، وَنِصْفُ العُشْرِ الباقِي يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلامُ -، وَالنِّصْفُ الآخَرُ سائِرِ النَّاسِ" ) اهـ .
وَالأرْجَحُ أنَّ يُوسُفَ لَهُ شَطْرُ الحُسْنِ ..وَمِمَّا يُؤكِّدُ هَذا رِواية ُمُسْلِم لِحَدِيْثِ المِعْراج ِ، مِنْ رِوايَةِ أنَس ٍ- رَضِي اللهُ عَنْه ُ- عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيْهِ :
« ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ:
قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ، فَفُتِحَ لَنَا ، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا هُوَ قَدِ اُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ »..
هَذا ..
وَجَمالُ نَبِيِّ اللهِ يُوسُفَ الصِّدِّيْق هُو مُعْجِزَةٌ اخْتَصَّهُ اللهُ - سُبْحانَهُ وَتَعالَى- بِها مِنْ دُونِ البَشَرِ ..
وَكانَتْ امْرأة ُالعَزِيْزِ تعْرِفُ مَدَى هَذا الجمالِ وَسحْرِه ، وَرُبَّما كانَ فِي قَوْلِها لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ :{ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } ما يحْملُ مَعْنَى:
(اخْرِجْ ما عِنْدَكَ مِنْ جَمالٍ عَلَيْهِنَ وَدَعْهُنَّ يَرَيْنَهُ) ..
قالَ تَعالَى فِي سُورَةِ"يُوسُفَ"30-31:
{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيْمٌ} ..
قالَ الشَّوْكانِيّ :
(نَفَيْنَ عَنْهُ البَشَرِيَّةَ لأنَّهُ قَدْ بَرَزَ فِي صُورَةٍ قَدْ لَبَسَتْ مِنَ الجَمالِ البَدِيعِ ما لمْ يُعْهَدُ عَلَى أحَدٍ مِنَ البَشَرِ) اهـ .
وَلمْ يكُنْ هَذا الجَمالُ قاصِرا فَقَط عَلَى جَمالِ الظَّاهِرِ أوِ جَمالِ الصُّورَةِ والشَّكْلِ ، وَإنَّما يَشْمَلُ كَذَلِكَ جَمالَ الباطِنِ وَجَمالَ الرُّوحِ ، وَفِيْهِ الكَثِيْرُ مِنْ مَظاهِرِ السَّكِيْنَةِ وَالوَقارِ وَالحِلْم ِوالسَّمْتِ الحَسَنِ ، إنَّهُ جَمالُ النُّبُوَّةِ والاصْطِفاءِ ، ذَلِكَ الجَمالُ الذِي لحَظَهُ صاحِبَاهِ فِي السِّجْنِ وَعَبَّروا عَنْهُ بِقَوْلِهِما :
"{ إنَّا نَراكَ مِنَ المُحْسِنِيْن } يُوسُفَ 36 ..
بَلْ حَتَّى النِّسْوَة عَبَّرْنَ عَنْهُ فِيْما سَبَقَ بِقَوْلِهِنَّ :
{ إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيْمٌ} ..
والله أعلى وأعلم
موضوع: أُعْطِيَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ شَطْرَ الْحُسْنِ 
الإثنين أغسطس 12, 2019 7:57 am