تأملات في كتاب الله
- 1 -
ترتيْبُ الأهْـل ِبَيْنَ سُـوَرتيّ ( عَبَسَ ) و ( المَعارج ) ..
.............
قالَ تعالى في سُورَةِ " عَبَسَ " :
{ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ
مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } ,,
و قالَ في سُورَةِ " المَعارج " :
{ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ
وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ }..
وهذا التَّرتيْبُ في تقديم وتأخير الأهْـل ِيتناسَبُ معَ سِـياق ِالآياتِ ..
* ففي سـورَةِ " عَبَسَ " ..
-----------------------
المَشْهَـدُ مَشْهَـدُ فِرار ٍ، يَخلو المَرْءُ بنفسِهِ ، ويَفِرُّ المَرْءُ أوَّلاً مِنْ الأبْعَدِ إلى الأقرَبِ
إلى قلبهِ ؛ يَفِرُّ أوَّلاً مِنْ أخِيْهِ لاشْتِغالِهِ بنفْسِهِ ، فلا يَلْتفِتُ إليْهِ ولا يَسْألُ عَنهُ ، ثمَّ مِنْ
أمِّهِ وأبيْهِ مَعَ شِدَّةِ مَحَبَّتِهم فِيْهِ في الدُنيا ، ثمَّ مِنْ صاحِبتِهِ (أى زَوْجَتِهِ ) وبَنيْهِ ،
حَذراً مِنْ مُطالبتِهم إيَّاهُ بما بَيْنهُ وبَيْنهم مِن َالتَبعاتِ ..
بَدأ بالأخ ِثمَّ بالأبَوَيْن ؛ لأنَّهُما الأقرَبُ مِنهُ , ثمَّ بالصَّاحِبة " الزَّوْجَة ِ"والبَنِيْن؛ لأنَّهُم
الأحبُّ إليْه ِ، فالآيَة ُمِنْ بابِ التَرَقِّي ... وقيلَ :
أوَّلُ مَنْ يَفِرُّ مِنْ أخِيْهِ : ( هابيلُ) ، ومِنْ أبَوَيْهِ : ( إبراهِيمُ) ، ومِنْ صاحِبَتِهِ :
( نُوْح ولُوْط ) ، ومِنْ ابنِهِ : (نُوْح ) ..
{ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأنٌ يُغْنِيْهِ } أي:
لِكُلِّ واحِد ٍمِنَ المَذكُوريْنَ شُغْلٌ شاغِلٌ ، وخَطْبٌ هائِلٌ ، يَكْفِيْهِ في الاهْتِمام ِبهِ ،
ويَشْغلُهُ عَنْ غيْره ِ
*أمَّا في سُورَةِ " المَعـارج ..
--------------------------
فالمَشْهَدُ مَشْهَدُ عَذاب ٍ وليْسَ فِرار..
فيَرَى المَرْءُ مَشْهَدَ عَذاب ٍ فوقَ ما تصَوَّرَهُ ، ولا يقْبَلُ المُساوَمَة َفيَبْدأ يَفدِي نفسَهَ
بالأقرَبِ إلى قلبهِ ثمَّ الأبْعَدِ ، لذا بَدأ ببَنيْهِ ؛ أعَزّ ما عِندَهُ ، ثمَّ صاحِبتِهِ وأخِيْهِ ،
ثمَّ فصِيْلتِهِ ، ثمَّ مِنْ في الأرْض ِجَميْعاً ..
قالَ ابنُ جَريْر - رَحِمَه ُاللهُ - :
( الكافِرُ مِنْ عظيم ما يَنْزلُ بهِ يَوْمَئِذٍ مِنَ البلاءِ يَفتدِي نفسَهُ لو وَجَدَ إلى ذلِكَ سَبيْلاً
بأحَبِّ الناس ِإليْه ِفي الدُنيا ، وأقْرَبهم إليْهِ نسَباً ) .
-----------------------------------------------
ويَبْدو– واللهُ أعْلمُ – أنَّ سَبَبَ هذا الترتيْبِ ..
* في آيَةِ" المَعارج " ..
----------------------
مِنْ تقدِيْم ِ ذِكْر البَنيْن ، مَعَ أنَّهُ مَوْضِعُ مُفاداةٍ ..
لأنَّ الإنسانَ في الدُنيا مُسْتعِدٌّ لبَذل ِالغالِي والنفِيْس ِ، بلْ والتضْحِيةِ بنفسِهِ دُونَ أبنائِهِ ..
ومعَ ذلِكَ فإنَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ يَوَدُّ ويَتمَنّى لو افتَدَى نفسَهُ بهم عَكْسَ ما كانَ في الدُنيا ..
والمُلاحَظ ُأنهُ في حالةِ الفِداءِ هَـذِهِ لمْ يذكُرْ الأمّ والأبَّ إكْراماً لهُما .
وفي آيَةِ" عَبَسَ" ..
------------------
مِنْ تقدِيْم ِ ذِكْر الأخ ِ في مَوْضِع ِالفِرار ِ..
لأنَّ الإنسانَ في الدُنيا إذا نزلَ بهِ ما يَكْرَهُ ، أو نَزَلَتْ بهِ ضائِقة ٌ، وما شابهَها فزع َ
إلى أخِيْهِ ، ومع َذلِكِ فإنَّهُ يفرّ في ذلِكَ اليَوْم ِالعَصيْبِ مِنْ أخِيْهِ لا إليْهِ..