الطيب الشنهوري
اهلا وسهلا زائرنا الكريم.. تفضل بالتسجيل فى المنتدى
ادارة المنتدى / الطيب
الطيب الشنهوري
اهلا وسهلا زائرنا الكريم.. تفضل بالتسجيل فى المنتدى
ادارة المنتدى / الطيب
الطيب الشنهوري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الطيب الشنهوري

منتدى ثقافي - ديني - اجتماعي - علمي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حليمة




عدد المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 04/01/2016

القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس  Empty
مُساهمةموضوع: القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس    القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس  Icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 06, 2023 12:09 pm


بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد : –
إن أغلب الرحالين المغاربة الذين زاروا ليبيا قديما قاموا بوصفها بطريقة موضوعية خالية من التحامل ، وقريبة من الواقع ، فذكروا كل ما لمسوه من مظاهر سياسية واجتماعية واقتصادية أما الناحية الثقافية ، فمنهم من التقى العديد من العلماء والأدباء والشعراء والمتصوفة ، ونقل طرفا من أخبارهم وأحوالهم ، منهم المكثر ومنهم المقل الذي انشغل بهموم السفر ، ولم تمكنه الظروف من لقاء أعلام البلاد ورجالها من شيوخ وفقهاء وأدباء ، وما دونوه من مشاهدات تعتبر وثائق تاريخية للنشاط السكاني ومظاهر الحركة الفكرية خلال الحقب الماضية ، ولم يشذ عن هؤلاء الرحالين إلا اثنان منهم ، وهما : أبو عبد الله محمد العبدري الحيحي ، الذي زار ليبيا سنة 688 هـ/ 1289 م ، والوزير المغربي أبو محمد عبد القادر الجيلاني الشرقي الإسحاقي ، الذي زار ليبيا سنة 1143 هـ / 1771 م ، صحبة الأمير محمد بن عبد الله (1) .
تهدف هذه الورقة إلى استعراض رحلة أبي عبد الله محمد العبدري التي قام بها إلى طرابلس أثناء ذهابه إلى الأراضي المقدسة ، وقد دون في رحلته مشاهداته وانطباعاته عنها ومن خلال ذلك استحسن بعض الأمور منها مسجدها ومدرستها وقوس الرخام بباب البحر ، ولكنه انتقد الحركة العلمية ونعت سكانها بالجهل ، مستخدما ألفاظا قاسية وعبارات قوية تنبئ فيما يبدو عن ما لاقاه من سكانها من جحود أو معاملة غير لائقة به ، فكان مخالفا لرأي من زارها قبله من الرحالين ولمن جاء بعده لزيارتها ، لذا رأيت من الجدير استعراض هذه الرحلة باختصار ومناقشة المسائل الفقهية التي تناولها مع قاضي طرابلس ورئيس علمائها في ذلك الوقت الشيخ أبي محمد عبد السيد ، والتي يبدو أنها كانت سببا في تقييم الحركة العلمية في طرابلس .
نقسم هذه الورقة إلى ثلاثة مباحث نستعرض في الأول بعض ما جاء في الرحلة وترجمة الرحالة وقاضي طرابلس الذي قابله ، وفي المبحث الثاني نسلط الضوء على المناقشة التي دارت بينهما في تفسير القرآن الكريم ، أما المبحث الثالث فنخصصه لدولة الحديث الشريف وما دار فيها من حوار حول فقه حديث نبوي شريف .
المبحث الأول : ملامح عن رحلة العبدري المسماة بالرحلة المغربية
المطلب الأول : جزء من مقدمة الرحلة والتعليق عليها
قال العبدري في رحلته : ثم وصلنا إلى مدينة طرابلس ، وهي للجهل مأتم ، ما للعلم بها عرس أقفرت ظاهرا وباطنا ، وذمها الخبير بها سائرا وقاطنا ، تلمع لقاصدها لمعان البرق الخلب وتريه ظاهرا مشرقا والباطن قد قطب ، اكتنفها البحر والقفر ، واستولى عليها من عربان البر ونصارى البحر النفاق والكفر ، وتفرقت عنها الفضائل تفرق الحجيج يوم النفر . . . (2) وبصورة عامة لم يجد هذا الرحالة في طرابلس ما يسر ، وأفاض في ذم أهلها ، ونعتهم بالجهل وضيق الأفق وغياب العقول ، رغم أنه أثنى على مدرستها وجامعها ، ووصف قوس ماركوس أوريليوس وصفا دقيقا يدل على إعجابه به .
علق الأستاذ الدكتور خليفة التليسي على هذه الرحلة بقوله : إنها مثل النشاز في هذه المعزوفة في المدح والإطراء التي صاغها الرحالة والمؤرخون العرب في وصف مدينة طرابلس ، سواء من ذلك من سبقوه أو من تأخروا عنه ، ممن خصوا هذه المدينة وأهلها بأوصاف طيبة حسنة وهو يكاد يقتصر في وصفه على التنديد بضعف الحياة الفكرية ، ويبدوا أن العبدري كان رجلا مشاكسا ، شرس الطبع ، سريع الإثارة والاستفزاز والغضب ، كما أنه كان سيئ الحظ فلم يقع على الذين يقدرون لشخصيته قيمتها ، ويحلونها منزلتها من التقدير والاحترام ، وكان من الممكن أن تتغير أحكامه ، لو وجد من يحسن استقباله ، ويخصه بالترحيب الذي يستحقه (3) .
لا يمكن التسليم بكل ما ذكره العبدري بكل سهولة لأنه يخالف كلام الرحالة ابن رشيد السبتي الذي زار طرابلس قبله بثلاث سنوات ، وكلام الرحالة التيجاني الذي زارها بعد عقد ونصف من الزمان من زيارة العبدري ، ومكث فيها طويلا ، فابن رشيد أشاد بالشيخ ابن عبد السيد ولم يذم طرابلس أو يقلل من أهميتها ، وإن كان مقلا في وصفه ، فلأنه لم يطل به المقام بها ، أما التيجاني فقد أعطاها حقها بعد أن عرف أهلها وجالس علماءها واختبر معدنها ، ويبدو أن الرأي الذي خرج به الدكتور خليفة التليسي هو الذي يعطي التفسير الصحيح لموقف العبدري حيث قال : إن الأحكام التي أطلقها العبدري ، رغم قسوتها تتفق مع الواقع التاريخي للحياة العلمية في تلك الفترة فلم تكن طرابلس خلالها من المراكز الثقافية الكبرى التي تضارع المراكز الثقافية المهمة في الشمال الأفريقي مثل تونس وفاس (4) وسلامة هذا الرأي تدل على أن طرابلس وإن لم تضارع الحواضر الكبرى ، غير أنها لم تكن خالية من الحركة العلمية ، بل تواكبها وإن كانت بدرجة أقل من تونس وفاس ، بدليل وجود مدرسة يتم فيها تدريس تفسير القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه الإسلامي ، والمناقشة التي دارت بين العبدري وأحد علمائها ، مما سوف نلقي عليه بعض الضوء خلال هذه الورقة .
المطلب الثاني : التعريف بالرحالة العبدري وقاضي طرابلس ابن عبد السيد .
أولا : الرحالة العبدري
هو محمد بن محمد بن مسعود العبدري الحيحي ، صاحب الرحلة ، أخذ عن جماعة من العلماء ذكرهم في رحلته ، ذكره ابن القاضي في جذوة الاقتباس ، ونقل بعضا من شعره ، وقال : كانت رحلته في خامس وعشرين من ذي القعدة عام ثمانية وثمانين وستمائة ولم يقف على تاريخ وفاته (5) قال عنه الأستاذ الدكتور علال الغازي رحمه الله : على الرغم من كثرة الإشارات إلى العبدري ، فإن المصادر لم تفه حقه ، باعتباره فقيها وعالما وأصوليا وشاعرا وناقدا ومؤرخا وقاضيا من قضاة مراكش ، لم يحدد القدماء سنة وفاته (6) ، من آثاره : رحلته المسماة الرحلة المغربية ، وفهرسة ، وله نظم (7).
ثانيا : قاضي طرابلس ابن عبد السيد
اختلف في اسمه ، فقد ذكر العبدري أن اسمه : أبو محمد عبد الله بن عبد السيد ، وترجم له الشيخ الطاهر الزاوي – رحمه الله – باسم : أبي محمد عبد الوهاب بن أبي الحسن بن عبد السيد وقد نقل ذلك عن ابن رشيد في رحلته التي قام بها سنة 685 هـ ، حيث قال : ولقينا بأطرابلس شيخها ورئيسها وفاضلها وقاضيها الفقيه الفهامة ، الفاضل الصالح ، أبا محمد عبد الوهاب بن أبي الحسن بن عبد السيد ، تولى الله جزاءه ، وحفظ مجده ، وضاعف ثناءه ، ورأيت من قيد اسمه عبد الله بن عطية بن أبي البسام بن عبد السيد ، فرأيناه رجلا فاضلا سريا حفيا ، على سنن الفضلاء ، تواضعا عن رفعة ، ومجدا عن كسب وعن وراثة ، فأضافنا واحتفل ، ثم قال : ولم نلق بها أحدا من أهل العلم ، علق الشيخ الطاهر على ذلك بقوله : وذلك لأنه لم يقم بها إلا يوما وليلة وبعض اليوم الثاني (Cool والأرجح أن اسمه عبد الوهاب فهو أقرب لمن كنيته أبو محمد.
ورد في الرحلة المغربية أنه قال : سمعت الإمام فخر الدين أبا علي بن رشيق بمصر يقول . . . وذلك يعني أن ابن عبد السيد له رحلة علمية ، والعالم الذي أخذ عليه هو أبو علي الحسن بن عتيق بن الحسين بن رشيق ، العلامة الإمام الفهامة ، كان عالما بأصول الدين والفقه والخلاف وغير ذلك ، شيخ المالكية في وقته ، عليه مدار الفتوى مع الورع والدين المتين ، أخذ عن عدة علماء وعنه أخذ الحافظان المنذري وأبو الحسن الرشيد ، وصنف وانتفع الناس به ، مولده سنة 547 هـ وتوفى سنة 632 هـ (9)
المطلب الثالث : ملاحظات عامة على الرحلة: –
1 – منذ حلول العبدري أرض ليبيا أخذ في وصف أهلها فقال : ” ومنها إلى قريتي زوارة وزواغة ذوي الأنفس الخبيثة والقلوب الرواغة ، معتقدات شنيعة وأعمال كسراب بقيعة ” . . إلخ دون أن يذكرا شاهدا واحدا على ذلك ، ثم استمر على هذا المنوال .
2 – بمجرد وصوله إلى طرابلس لم يذكر تاريخ الوصول أو مكانه ، بل أخذ في نقدها ، فقال : وهي للجهل مأتم ، وما للعلم بها عرس ، أقفرت ظاهر وباطنا ، وذمها الخبير بها سائرا وقاطنا تلمع لقاصدها لمعان البرق الخلب ، وتريه ظاهرا مشرقا والباطن قد قطب . . . إلخ .
3 – عقد مقارنة بين أهل طرابلس وأهل تونس ، فقال : فسبحان من جعلهم وأهل تونس في طرفي نقيض ، أولئك في الأوج وأولاء في الحضيض .
4 – أشاد ببعض معالمها ، فقال : ولم أر بها ما يروق العيون وسما عن أن يقوم بالدون ، سوى جامعها ومدرستها ، فإن لهما من حسن الصورة نصيبا ، ومن إتقان الصنعة سهما مصيبا ، وما رأيت في الغرب مثل مدرستها المذكورة ، لولا أن محاسنها مقصورة على الصورة.
5 – رغم إعجابه بمبنى المدرسة وقوله : إن محاسنها مقصورة على الصورة ، ذكر أنه حضر بها دروسا لقاضي طرابلس ابن عبد السيد ، منها في تفسير القرآن الكريم ، ومنها في الحديث الشريف .
6 – أحسن الرحالة صنعا إذ ذكر في رحلته المناقشة التي دارت بينه وبين قاضي طرابلس حول تفسير بعض الآيات القرآنية ، وأحكام الحديث الشريف ، وقصده بذلك التدليل على نقص العلم في طرابلس آنذاك .
7 – ركز في رحلته على وصف عالم طرابلس ، ورغم قوله إنه ذو سمت ووقار ، كثير المواظبة للمسجد والذكر ، خير في دينه ، ولكنه انتقد أخلاقه حين قال : وما كنت آتيه بعدما رأيته إلا بقصد الدعاء لأنه ضيق الخلق ، لين النظر ، وفي لسانه حبسة لا يكاد يفهم معها ، وأظنه لا رواية له رغم أن العبدري استفاد منه معرفة حديث شريف.
8 – أشاد بالقوس الروماني بباب البحر ، ويدل وصفه الدقيق له عن إعجابه بهذا الأثر الذي لا يزال في مدينة طرابلس ، ومنه انطلق يذكر بعض الآثار التي رآها في تونس كقصر الجم وقصر المنارة الذي يقع غربي القيروان ، وأعقب ذلك بقوله : وقد دلت آثار تلك البلدان على ضخامة مملكتها في غابر الزمان ، على ضد ما هي عليه الآن ، فإنها شديدة الإهمال ، غير سديدة الأحوال .
9 – انتقد ممارسة الناس مع الحجيج عندما قال : اتخذوا أخذ الحاج خلقا ودينا ، واعتقدوا إهلاكه ملة ودينا ، فماله عندهم طعمه أحلى من مال اليتيم في الولي الفاجر اللئيم . . . فما يمر بتلك المسالك سالك ولا يخطر على تلك المعابر عابر ، ولا يرى في تلك المناهل ناهل إلا انقضوا عليه انقضاض الصقور على البغاث ، وأنكدوا عليه بحيث لا يغاث من استغاث ، فمزقوا أشلاءه تمزيق الدهر للأحرار . . . إلخ .
10 – بعد نقده لعالم طرابلس ومن كان معه أثناء الجلسة العلمية في المدرسة ، أحس بأنه ” سعى إلى امتحان الحاضرين كلهم ، فنصب نفسه نتيجة لذلك ، بطلا للجلسة بدون منازع ” (10) فشعر بالتعالي عنهم ، وهو ما يبعده عن صفة العلماء فقال متواضعا فيما يبدو : وهذا وما أشبهه إنما أثبته تنبيها على ضعف العلم في هذا الأوان ، وقلة الرغبة فيه ، لا أني معجب فيه بنفسي ويعلم الله أن معتقدي أن أدل دليل على فناء العلم وانمحاء رسمه هو كلامي وكلام أمثالي فيه فإنه ما أوجبه إلا عدم علماء التحقيق ، وحسبنا الله وبه التوفيق .
المبحث الثاني : المناقشة بين العبدري وابن عبد السيد في تفسير القرآن الكريم .
المطلب الأول : مناقشة الآية الأولى: –

قال الرحالة العبدري : ولما حضرت تدريسه ، مر لهم في دولة التفسير ، قوله تعالى ( وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ) (11) فسألته : ما الكتاب المنير الذي أراد هنا ؟ ، فأجاب بأنه جنس ، وهو بمعنى الزبر قبله بإجماع من المفسرين ، فقلت له : لم كرر ؟ ، فقال : للتأكيد ، وجمد على ذلك ، ولا يفهم هنا للتأكيد معنى ولو قال : كرر لما تضمنه من المدح ، كما تعطف النعوت بعضها على بعض ، لكان أشبه ، ولكن تكرار الباء يشعر بالفصل ، لأن فائدة تكرار العامل بعد حرف العطف إشعار بقوة الفصل بين الأول والثاني وعدم التجوز في عطف الشيء على نفسه والله أعلم .
لا أريد هنا أن أناقش المسألة من الناحية اللغوية ، إنما أستعرض إجابة ابن عبد السيد مع ما ورد في كتب تفسير هذه الآية: –
قال القرطبي في تفسيره : ( وبالزبر) أي الكتب المكتوبة ( وبالكتاب المنير) أي الواضح وكرر الزبر والكتاب وهما واحد لاختلاف اللفظين ، وقيل : يرجع البينات والزبر والكتاب إلى معنى واحد ، وهو ما أنزل على الأنبياء من الكتب (12) .
قال القاضي ابن عطية في تفسيره : والبينات والزبر والكتاب المنير شيء واحد ، لكنه أكد أوصافه بعضها ببعض وذكره بجهاته ، والزبر من زبرت الكتاب إذا كتبته (13) .
وقال الزمخشري في تفسيره : بالبينات بالشواهد على صحة النبوة ، وهي المعجزات ( وبالزبر) وبالصحف ( وبالكتاب المنير) نحو التوراة والإنجيل والزبور ، لما كانت هذه الأشياء في جنسهم ، أسند المجيء بها إليهم إسنادا مطلقا ، وإن كان بعضها في جميعهم : وهي البينات ، وبعضها في بعضهم: وهي الزبر والكتاب (14) .
جاء في معاني القرآن الكريم ، وهو تفسير لغوي موجز : ( وبالزبر ) أي بصحف إبراهيم عليه السلام ، ( وبالكتاب المنير) أي بالتوراة والإنجيل (15) .
جاء في التحرير والتنوير : اختلاف أحوال الرسل ؛ فمنهم الذين أتوا بآيات ، أي خوارق عادات فقط ، مثل صالح وهود ولوط ، ومنهم من أتوا بالزبر وهي المواعظ التي يؤمر بكتابتها وزبرها ، أي تخطيطها لتكون محفوظة ، وتردد على الألسنة ، كزبور داود . . . ومنهم من جاءوا بالكتاب المنير ، يعني كتاب الشرائع مثل إبراهيم وموسى وعيسى ، فذكر الباء مشير إلى توزيع أصناف المعجزات على الرسل (16) .
يتضح من هذه النقول أن إجابة الشيخ ابن عبد السيد على سؤال العبدري يجد سنده في بعض تفاسير القرآن الكريم التي قالت بأن الزبر والكتاب المنير واحد ، وأن العطف كان للتكرار ، بينما جاءت التفاسير اللغوية ، كالكشاف والتحرير والتنوير ومعاني القرآن الكريم ، بأن اقتران كل منهما بالباء تفيد التمييز ، منها التمييز بين الكتب السماوية ، أو باختصاص كل نبي برسالة منها وهذا الذي ذهب إليه العبدري في مخالفته لقاضي طرابلس ، وما ذكره ابن عبد السيد جاء موافقا لتفسير ابن عطية والقرطبي .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حليمة




عدد المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 04/01/2016

القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس    القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس  Icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 06, 2023 12:11 pm

المطلب الثاني : مناقشة الآية الثانية:
استمر حضور الرحالة درس تفسير سورة فاطر بالمدرسة المستنصرية بطرابلس إلى أن وصل الشيخ ابن عبد السيد إلى قوله تعالى ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ) (17) وهنا لم ينقل لنا العبدري ما قاله الشيخ ابن عبد السيد في تفسيرها ، ولكنه قال عنها : وهي من الآيات التي صديت فيها الأذهان الصقيلة ، وعادت بها أسنة الألسن مفلولة الشبا كليلة ، ذلك أن المنهج في كلامهم تقديم المتبوع على التابع ، فيقولون : أبيض ناصع وأصفر فاقع وأحمر قاني ، وأسود حالك وغربيب. . إلخ .
ثم قال : فلما قرعت أسماعهم بهذا سكتوا ولم يحر أحد منهم جوابا ، وكان الشيخ قد ذكر ما قال بعضهم وأظنه القاضي أبا محمد بن عطية : أنه من فصيح الكلام ، فلم أقتنع بذلك وقررته على ما تقدم فسكت .
وهذه الإشارة من العبدري إلى ما قاله الشيخ ابن عبد السيد تدل على أنه كان يعتمد في تفسيره على المحرر الوجيز لابن عطية ، حيث قال في تفسير الآية المذكورة : وقوله (غرابيب سود) لفظان لمعنى واحد ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله يبغض الشيخ الغربيب يعني الذي يخضب بالسواد ) (18) وقدم الوصف الأبلغ ، وكان حقه أن يتأخر ، وكذلك هو في المعنى لكن كلام العرب الفصيح يأتي كثيرا على هذا النحو (19) ونفس المعنى دل عليه قول القرطبي في تفسيره ( وغرابيب سود ) قال أبو عبيدة : الغربيب الشديد السواد ، ففي الكلام تقديم وتأخير والمعنى : ومن الجبال سود غرابيب (20) ويبدو لي أن ما قرره العبدري من كلام لا يخرج عن هذا المعنى ، ولكنه ، كما قال الأستاذ علال الغازي – رحمه الله – أراد أن يظهر قيمته كناقد أديب وناقد أسلوبي متذوق ، وعالم فقيه متمكن من تفسير الآية في كل الأوجه (21) .
خلال هذه الجلسة العلمية التي دار فيها الحوار بين العبدري وقاضي طرابلس انبرى أحد الحاضرين ليدلي بدلوه في المناقشة ، ودون الرحالة ذلك حيث قال : ومن جملة العجائب أن شيخا ممن حضر إقراءه أراد أن يحتج عنه لما كلمته ، فقال لي : إنما ذكر السود لأنه قد يكون في الغربان ما فيه بياض ، وقد رأيته في بلاد المشرق ، وهنا يعلق العبدري عليه فيقول : ” فلم يفهم من الآية وقد حضر تفسيرها شيئا إلا أن الغربيب هو الغراب” .
وما قاله الشيخ المتدخل له أصل في كتب التفسير ، قال الزمخشري : يقال : أسود غربيب ، وهو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه ، ومنه الغراب (22) وقال القرطبي : والعرب تقول للشديد السواد الذي لونه كلون الغراب : أسود غربيب (23) ويقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : وغرابيب : جمع غربيب ، والغربيب : اسم للشيء الأسود الحالك سواده ، ولا تعرف له مادة مشتق منها ، وأحسب أنه مأخوذ من الجامد ، وهو الغراب لشهرة الغراب الأسود (24) وقال الدميرى : الغراب معروف ، وسمي بذلك لسواده ، ومنه قوله ( وغرابيب سود ) وهما لفظان بمعنى واحد ، ونقل رواية عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران فإذا بغربان كثيرة فيها غراب أعصم ، أحمر المنقار والرجلين ، فقال صلى الله عليه وسلم ( لا يدخل الجنة من النساء إلا مثل هذا الغراب في الغربان ) (25) وقال في الإحياء : الغراب الأصم أبيض البطن ، وقال غيره : أبيض الجناحين ، وقيل : أبيض الرجلين (26) .
يتضح أن ما علق به الشيخ الحاضر للمجلس العلمي ، من أن كلمة الغرابيب قد تعني الغربان البيض ، له أصل في كتب التفسير والأدب ، وأنه لم يقل شيئا غريبا عن العلم ، وإن كان ذلك لم يقنع الرحالة العبدري لذلك شرع في القول : وقد ظهر لي في الآية الأولى وجهان أردت أن أثبتهما مستخيرا الله عز وجل ، أحدهما أن قولهم (جاءتهم ) يعود فيه الضمير على المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم ، داخلا في الرسل المذكورين ، والكتاب المنير القرآن ، وقوله ( ثم أخذت الذين كفروا ) معطوف على قوله ( فقد كذب الذين من قبلهم ) أي: كذبوا ثم أخذتهم لقيام الحجة عليهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ، وجاء تقديم قيام الحجة قبل العطف اعتراضا للتهمم به ، وهو من أرق وجوه البلاغة (27) واستدل على ذلك بشواهد شعرية ، ثم قال : وأرى مثل هذا في آية آل عمران ، وهي قوله تعالى ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ) (28) رغم اختلاف الرسم في هذه الآية عما قبلها في سورة فاطر ، لأن الزبر والكتاب المنير لم يقترن بالباء ، بل معطوفة بالواو ، ولكنه وجه من وجوه التفسير تبين للعبدري أن يقول به ، وهو ما يحتمله سياق النص القرآني رغم أن بعض المفسرين يقولون بأن النص أعقبه الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم بتسليته على تكذيب قومه وتأنيسه بأن تلك سنة الرسل مع أممهم (29).
ثم عرج على المسألة الأخرى ، وهي قوله تعالى ( وغرابيب سود ) فقال عنها : فحسبك منها إشكالا أن فحول المفسرين أحجموا عن القول فيه ، وقصروا عما يتم الغرض ويوفيه ، والذي ظهر لي في ذلك بعد طول تأمل وفرط قلق فيه وتململ أن الموجب لتقديم الغرابيب ، هو تناسب الكلم وتماثل نسق الألفاظ وجريانها على نمط متساوي التركيب ، وهو معنى قلما يوجد في غير الكتاب العزيز. . . وهنا يبرز دور العبدري ونبوغه ، فبعد أن أشار إلى صعوبة تحليل هذه الآية ، ثم شرع في بيان الأسلوب البلاغي الذي عجز عنه فحول المفسرين ، والذي توصل إليه بعد عناء طويل ، كما عبر عن ذلك ، ففي هذه اللهجة إعجاب بالنفس ، ولكنه – كما قال الأستاذ علال الغازي رحمه الله – إعجاب العالم المتمكن من موضوعه وأدواته وحسه الفني العميق (30) والذي يبدو لي من خلال هذا الحوار أن العبدري ينحى في علمه درب اللغويين ويبنى رأيه على أساليب البلاغة والبيان ، بينما الذي يواجهه في ذلك فقيه يعتمد على الفقه وكتب التفسير أكثر من اعتماده على اللغة ، وأن اعتراف العبدري بأن تفسير قوله تعالى ( غرابيب سود) مما عجز عنه فحول المفسرين ، فكيف يطلب من فقيه أن يجاريه ، إنها معادلة صعبة إذ كانت المناقشة بين فقيه ولغوي ، فلو كانت بين لغويين كانت أجدى وأنفع ، رغم أن العبدري يجمع إلى جانب النقد الأدبي علوم الفقه على نحو ما نراه في درس الحديث الشريف .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حليمة




عدد المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 04/01/2016

القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس    القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس  Icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 06, 2023 12:11 pm

المبحث الثالث : المناقشة التي دارت حول الحديث الشريف
المطلب الأول : ما ذكره الرحالة حول هذه المناقشة
استمر الرحالة في حضور درس الشيخ ابن عبد السيد بالمدرسة المستنصرية بطرابلس وقد أشار في البداية إلى أنه استفاد من الشيخ في معرفة حديث شريف ، قال في الرحلة : وقد سألت الشيخ أبا محمد بن عبد السيد عن أشياء ما قام فيها ولا قعد ، وما استفدت منه في العلم فائدة سوى ما تقدم تسطيره في قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان ) (31) وقد ذكر ذلك في رحلته الجلسة التونسية حيث قال : وقد رأيت أن أقيد هنا شيئا مما وقع فيه كلامي بمدينة تونس ، عند ذلك أشار إلى استفادته من قاضي طرابلس ابن عبد السيد الحديث المذكور(32) ورغم ذلك ، فقد قال عنه : ” وأظنه لا رواية له ، فإني سألته عن ذلك فأبهم جوابه وتنمر وحاولت مداخلته فصدني عن ذلك بشكاسته وجهامة لقائه ، وما أبعد أحواله من أحوال شيخنا قاضي الجماعة بحضرة مراكش . . ” (33) فكان أحرى به أن يذكر أستاذه بخير ، فقد قال أهل العلم قديما من علمني حرفا صرت له عبدا ، فما بالك من استفاد منه حديثا شريفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال العبدري : ومر لهم في دولة الموطأ (34) حديث ابن عمر رضي الله عنه ( في من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو وراء الإمام ) (35) والحديث كما ورد في موطأ الإمام مالك برواية سعيد بن المسيًب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز ( أقم الصلاة لذكري ) (36) وفي الموطأ رواية أخرى عن زيد بن أسلم ، محل الحاجة منها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يأيها الناس ! إن الله قبض أرواحنا ، ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا، فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ، ثم فزع إليها ، فليصلها ، كما كان يصليها في وقتها ) ، وفي رواية أخرى ( من نام ) (37) ولم أجد فيما بين يدي من المصادر رواية لابن عمر في هذا الحديث .
قال الشيخ ابن عبد السيد في شرح الحديث المذكور ، على نحو ما ورد في الرحلة : سمعت الإمام فخر الدين أبا علي بن رشيق (38 ) بمصر يقول في تعليل قطع الصلاة إذا ذكرت فيها صلاة أخرى ، إنما ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ، فإن ذلك وقت لها ) (39) فعين النبي صلى الله عليه وسلم وقت الذكر للفائتة ، فوجب أن يقطع التي فيها .
المطلب الثاني : تعليق العبدري على رأي الشيخ ابن عبد السيد
جاء تعليق العبدري على قول الشيخ كما يلي : فقلت له : هذا عام محتمل التخصيص بمن ذكرها في غير صلاة ، فأما من ذكرها في الصلاة فخارج عن هذا العموم ، بدليل قوله تعالى ( ولا تبطلوا أعمالكم ) (40) كما خرج عنه من ذكرها في أوقات النهي عند من يرى ذلك من العلماء . ثم إن هذا التعليل لا يأتي على مذهب مالك رحمه الله ، لأنه لا يرى القطع واجبا بدليل أن من صلى صلوات وهو ذاكر لصلاة ثم قطع فقد أبطل على من خلفه ، ولو كان القطع واجبا لصحت صلاة من خلفه لأنه مغلوب على القطع ، كما إذا ذكر أنه جنب ولكن القطع في ذلك استحباب فكأن الإمام متعمد له فلذلك أبطل على من خلفه . . . فلما فرغت من كلامي هذا سكتوا ولم يحيروا جوابا (41) .
يتبن من ذلك أن الخلاف بين الشيخ ابن عبد السيد والعبدري أن الشيخ يرى قطع الصلاة لمن تذكر أن عليه صلاة فائتة لم يصلها ، وقوله هذا له سند من الفقه ، قال ابن عبد البر في الاستذكار : واحتج القائلون بأن من ذكر صلاة وهو في صلاة فسدت عليه صلاته التي هو فيها حتى يصلي التي ذكر قبلها من أصحابنا وغيرهم ، بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( فليصلها إذا ذكرها ) قالوا : فهو مأمور بإقامة الصلاة المذكورة في حين الذكر ، فصار ذلك وقتا لها ، فإذا ذكرها وهو في صلاة ، فكأنها مع صلاة الوقت صلاتان من يوم واحد اجتمعتا عليه في وقت واحد ، فالواجب أن يبدأ بالأولى منهما ، فلذلك فسدت عليه التي هو فيها ، كما لو صلى العصر قبل صلاة الظهر من ذلك اليوم ، وفسادها من جهة الترتيب (42) .
أما رأي الرحالة العبدري فقد عبر عنه في نهاية التعليق بقوله : والذي أرى في الحديث الذي استدل به ابن رشيق أنه يقصر على مثل الصورة التي ورد فيها ، وهي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الصبح يوم الوادي بعد طلوع الشمس ، لا من حيث أنه وارد في صورة [ العموم ] فإن معتقدي أن اللفظ إذا كان مستقلا بنفسه اعتبر بما يجب له ولم يقصر على الصورة التي ورد فيها ، ولكن من حيث قام الدليل أن ذلك هو المراد ، وذلك أن حمله على العموم يؤدي إلى باطل متفق على بطلانه ، وهو أن من ذكر صلاتين فأكثر لا يؤديهما أبدا ، لأنه كلما وقف في صلاة ذكر فيها أخرى فتبطل عليه والتخصيص في مثل هذا ضربة لازب والله أعلم (43) .
فالرحالة يرى أن الحديث خاص بواقعة معينة ، وهي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوادي بعد قفوله من خيبر ، حيث ورد في بداية الحديث : فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي ، وقال : ( إن هذا واد به شيطان ) فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي . . . (44) وبالتالي يكون حكمه خاص بتلك الواقعة لأنه ورد بصيغة العموم وقد خصصته أدلة أخرى على نحو ما ورد في كلامه ، وحمل الحديث على العموم باطل.
المطلب الثالث : رأي ابن عبد البر في المسألة
والفصل في هذا الخلاف هو ما نقله حافظ المذهب ابن عبد البر ، فبعد أن نقل الرأي الأول قال : إلا أنه عند مالك وأصحابه ومن يقول بقولهم ، لا تجب إلا مع الذكر وحصول الوقت بالترتيب وقلة العدد ، وذلك صلاة يوم فما دون ، فإذا خرج الوقت سقط الترتيب ، وكذلك سقط الترتيب مع كثرة العدد لما في ذلك من المشقة ، وما لا يطاق عليه ويفحش القياس فيه ، لأنه لو ذكر صلاة عام فرط فيها ، أو ذكر صلاة بين وقتها وبين صلاة وقته عام ، قبح بالمفتي أن يأمره بصلاة عام ونحوه قبل أن يصلي صلاة وقته (45) .
وأضاف ابن عبد البر رأي بعض الفقهاء الآخرين حيث قال : وقال الشافعي ، وداود بن علي وأبو جعفر الطبري : لا يلزم الترتيب في شيء من ذلك ، وقالوا فيمن ذكر صلاة وهو في صلاة غيرها ، وحده أو مع إمام ، يتمادى في صلاته ، فإذا أتمها صلى التي ذكر ولم يعد الأخرى بعدها ، وليس الترتيب عند هؤلاء بواجب فيما قل ولا فيما كثر إلا في صلاة اليوم بعينه ، وحجتهم أن الترتيب إنما يجب في اليوم وأوقاته كما يجب ترتيب أيام رمضان في رمضان لا في غيره ، فإذا خرج الوقت سقط الترتيب (46) .
أما ما ذكره العبدري من أن الحديث خاص بذلك الوادي ، فقد تناول ابن عبد البر في بحثه للحديث المذكور أدلة القائلين بذات الرأي ، وملخصه : من نام عن الصلاة في سفره ثم انتبه بعد خروج الوقت لزمه الزوال عن ذلك الموضع ، كما تناول أدلة غيرهم الذي قالوا : ولم يخص الله ولا رسوله موضعا من المواضع إلا ما جاء في ذلك الوادي خاصة ، فقال : الذي عليه العمل عندي وفيه الحجة لمن اعتصم به ، قوله عليه السلام ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) (47) ولم يخص واديا أو غيره في هذا الحديث وفيه ما يبيح الصلاة في المقبرة ، والمزبلة والحمام ، وقارعة الطريق ، وبطون الأودية ، إذا سلم ذلك من النجاسة ، لأن قوله ذلك ناسخ لكل ما خالفه (48) .
خلاصة القول إن ما ذكره ابن عبد السيد في تفسير الحديث السابق ، إنما ينصرف إلى نسيان إحدى الصلوات في يوم واحد ، فعليه أن يصليها قبل غيرها لمراعاة الترتيب ، أما إذا زادت عن ذلك ، فلا ضرورة للترتيب وعليه أن يقضيها ، وهو الرأي الذي استظهره ابن عبد البر ، أما قول العبدري بأن هذا الحديث يختص بما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك الوادي ، ولا يسري حكمه على من نسي صلاته أو نام عنها ، وإن كان هذا الرأي موافقا لبعض أقوال الفقهاء إلا أنه ليس بقول الإمام مالك ولا يتفق مع رأي حافظ المذهب ابن عبد البر ، والله اعلم .
رحم الله الرحالة أبا عبد الله محمد العبدري ورحم الله قاضي طرابلس أبا محمد بن عبد السيد فقد كان حوارهما في مدرسة طرابلس مفيدا ، وقد أحسن الرحالة صنعا إذ دونه ، فحفظه التاريخ لنا ، وقرأناه بعد ثمانية قرون تقريبا عن حدوثه ، ولولا ذلك ما عرفناه.
الخاتمة
نصل في ختام هذه الورقة إلى بعض الملاحظات التي ظهرت من خلال دراسة المسائل الفقهية التي تداولها الرحالة العبدري مع قاضي طرابلس وفقيهها الشيخ أبي محمد بن عبد السيد ، والتي تناولت شيئا من تفسير القرآن الكريم والحديث الشريف ،
أولا : كان الرحالة العبدري رحمه الله ناقلا أمينا حيث ذكر تفاصيل المناقشة التي دارت بينه وبين الشيخ ابن عبد السيد ، والتي من خلالها تناولت رأي كل منهما وحاولت دراسته مع ما ورد في كتب التفسير والحديث الشريف .
ثانيا : إن ما أثاره مع الشيخ أثناء حضوره دروس التفسير والحديث في المدرسة المستنصرية بطرابلس ، يدل على وجود حركة علمية قائمة في البلاد ، وهي وإن كانت لا ترقى إلى مستوى الحواضر الأخرى ، إلا أنها ليست منعدمة .
ثالثا: ما ذكره العبدري من أوصاف تقلل من مكانة الشيخ ابن عبد السيد ، وظنه أنه لا رواية له تفنده الأدلة التي جاءت في الرحلة نفسها ، منها أن العبدري اعترف باستفادته من الشيخ في معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الشيخ ابن عبد السيد كانت له رحلة سمع فيها من الشيخ أبي علي الحسن بن رشيق في الإسكندرية ، يضاف إلى ذلك ما يقوم به من وظيفة القضاء والخطابة والتدريس ، ويكفي أن الرحالة المغربي ابن رشيد الذي زار طرابلس قبل العبدري بثلاث سنوات قد أشاد بالشيخ وأثنى عليه .
رابعا: إن اختلاف الرأي بينهما في بعض المسائل الفقهية لا يدل على انعدام العلم وفقر البلاد من العلماء ، بل إن ذلك يحدث بين العلماء في كل مكان وزمان ، ولعل الآراء التي قيلت في أسانيد كل منهما تدل على أنهما لا ينطلقان من فراغ علمي ، بل لكل منهما حجته ، ولكن الغالب على الرحالة هو النقد الأدبي للنصوص ومراعاة الأساليب البلاغية وما تؤدي إليه من فهم خاص قد لا يكون الفقيه العادي على إلمام بها ، ولهذا كانت صياغته للرحلة تظهره كالمتفوق على غيره دون منازع .
خامسا : إن ما ذكره من نعوت على طرابلس وأهلها ، هي صفات مبالغ فيها إلى أبعد الحدود وتشعر المطلع عليها ، وعلى ما ورد في الرحلة بشأن هذه المنطقة ، إنما كان دافعه شيء آخر غير المناقشة العلمية التي دارت بين الشيخ والرحالة ، ولعل ما ذكره من معاملة السكان للحجيج من أحد الدوافع لكيل تلك الصفات الذميمة لطرابلس وسكانها .
والله الموفق إلى ما فيه الخير والحمد لله رب العالمين
د / جمعة محمود الزريقي
مستشار بالمحكمة العليا ، أستاذ متعاون مع الجامعات الليبية
طرابلس في 17/12/2008

————-
(1) يراجع مبحث العلاقات الثقافية بين ليبيا والمغرب ، وفيها دراسة لما ورد في رحلة الإسحاقي والتعليق عليها ، كتاب تراجم ليبية ، جمعة الزريقي ، الجزء الثاني ، نشر دار المدار الإسلامي طرابلس ، 2005 م .
(2) الرحلة المغربية ، لأبي عبد الله محمد بن محمد العبدري الحيحي ، حققه وقدم له وعلق عليه الأستاذ محمد الفاسي ، نشر جامعة محمد الخامس الرباط ، سلسلة الرحلات رقم 4 ، 1968 م .
(3) حكاية مدينة طرابلس لدى الرحالة العرب والأجانب ، للأستاذ الدكتور خليفة التليسي ، ص 25 ، نشر الدار العربية للكتاب ، 1974 م .
(4) حكاية مدينة طرابلس ، المصدر السابق ، ص 26 .
(5) جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس ، لأحمد بن القاضي المكناسي ، ص 287 – 288 / 1 ، دار المنصور للطباعة والوراقة ، الرباط ، 1973 م.
(6) مناهج النقد الأدبي بالمغرب ، خلال القرن الثامن للهجرة ، تأليف الأستاذ الدكتور علال الغازي ، ص 27 ، منشورات كلية الآداب بالرباط ، سلسلة رسائل وأطروحات رقم 42 ، الطبعة الأولى ، 1420 هـ / 1999 م .
(7) معجم المؤلفين ، لعمر رضا كحالة ، ص 244 / 11 .، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان . د ، ت .
(Cool أعلام ليبيا ، للشيخ الطاهر أحمد الزاوي ، ص 247 ، نشر دار الفرجاني ، الطبعة الثانية ، 1390 هـ / 1971 م . (9) شجرة النور الزكية لمحمد بن مخلوف ، ترجمة رقم 521 ، ص 166/1 .
(10) مناهج النقد الأدبي بالمغرب ، المصدر السابق ، ص 133 .
(11) فاطر ، 25 .
(12) الجامع لأحكام القرآن ، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ، ص 341 / 14 ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، د ، ت .
(13) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، للقاضي أبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي ، (ت 546 هـ ) تحقيق المجلس العلمي بمكناس ، ص 170/ 13، طبع وزارة الأوقاف بالمغرب ، 1409هـ / 1989 م .
(14) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ، ( 538 هـ) ، تحقيق عبد الرزاق المهدي ، ص 618 / 3 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1421 هـ / 2001 م .
(15) معاني القرآن الكريم ، تأليف الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الله رفيدة ، وآخرين ص 746 / 3 نشر جمعية الدعوة الإسلامية العالمية ، الطبعة الأولى ، 1369 ور ، 2001 مسيحي ، طرابلس ، ليبيا .
(16) تفسير التحرير والتنوير ، للعلامة الإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ، ص 298 / 22 ، الدار التونسية للنشر ، تونس 1984 م .
(17) فاطر : 27 .
(18) ذكره ابن منظور في لسان العرب المحيط ، ص 969 المجلد الرابع ، دار لسان العرب ن بيروت ، 1408هـ / 1988 م ، كما ورد الحديث في مجمع الزوائد ، حديث رقم 7440 ، المجلد الرابع ، والنهاية في غريب الحديث ، المجلد الثالث ، حرف الغين ، باب الغين مع الراء ، وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، حرف الزاي ، حديث رقم 17335 ، ص 352 المجلد الثالث ، المكتبة الإسلامية ، شبكة الانترنيت:
http://www.al-eman.com.islamic/viewchp.qsp.
(19) المحرر الوجيز ، المصدر السابق ، ص 172 / 13 .
(20) الجامع لأحكام القرآن ، المصدر السابق ، ص 342/14 .
(21) مناهج النقد الأدبي بالمغرب ، المصدر السابق ، ص 133 / 22.
(22) الكشاف ، المصدر السابق ، ص 618/3 .
(23) الجامع لأحكام القرآن ، المصدر السابق ، ص 343 / 14 .
(24) تفسير التحرير والتنوير ، المصدر السابق ، ص 302 / 22.
(25) ورد في كنز العمال ، حديث رقم 44569 ، نقلا عن النهاية في غريب الحديث ص 249/3 ، كما ورد في كتاب فيض القدير شرح الجامع الصغير ، حديث رقم 4092، المكتبة الإسلامية ، موقع بالانترنيت:
http://www.al-eman.com.islamic/viewchp.qsp.
(26) حياة الحيوان الكبرى ، للشيخ كمال الدين الدميري ، ص 172 / 2 ، دار الفكر ، بيروت لبنان ، د ، ت .
(27) الرحلة المغربية ، لأبي عبد الله محمد بن محمد العبدري الحيحي ، حققه وقدم له وعلق عليه ، الأستاذ محمد الفاسي ،نشر جامعة محمد الخامس ، سسلسلة الرحلات ، 4 ، حجازية ، 1968 م ، الرباط .
(28) آل عمران : 184 .
(29) تفسير التحرير والتنوير ، المصدر السابق ، ص 298 / 22 ، تفسير المحرر الوجيز ، المصدر السابق ، ص 170 / 13 .
(30) مناهج النقد الأدبي بالمغرب ، المصدر السابق ، ص 138 .
(31) رواه الإمام مسلم في صحيحه ، كتاب الصلاة ، حديث رقم 17 ، ص 291 /1، تحقيق ، أ – محمد فؤاد عبد الباقي ، الطبعة الأولى ، 1412 هـ / 1991 م ، دار الحديث ، القاهرة ،
(32) نقلا عن الدكتور علال الغازي رحمه الله في كتابه مناهج النقد الأدبي بالمغرب ، المصدر السابق ، ص 128 .
(33) الرحلة المغربية ، المصدر السابق ، ص 78 .
(34) هو كتاب حديث وفقه من تأليف الإمام مالك رضي الله عنه .
(35) الرحلة المغربية ، ص 81 .
(36)موطأ الإمام مالك بن أنس ،برواية يحيى بن يحيى كثير الليثي الأندلس ، باب النوم عن الصلاة ، حديث رقم 25 ، دار الرشاد الحديثة ، الدار البيضاء ، الطبعة الأولى ، 1409 هـ / 1989 م . كما رواه الإمام مسلم في صحيحه بعدة روايات ، منها هذه الرواية ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، حديث رقم 316 ص 477/1 .
(37) موطأ الإمام مالك ، المصدر السابق ، حديث رقم 26 ، أما رواية : من نام عن صلاة ، فقد رواها ابن عبد البر في التمهيد ص 289 / 3 ، تحقيق أ ، محمد التائب السعيدي ، 1402 هـ / 1982 م ، و ص 129 / 14 ، تحقيق ، أ ، سعيد محمد اعراب ، 1404 هـ / 1984 م ، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، بالمغرب.
(38) سبقت ترجمته .
(39) هذه الرواية وردت في التمهيد لابن عبد البر ، المصدر السابق ، ص 129/14.
(40) محمد : 33 .
(41) الرحلة المغربية ، ص 81 .
(42) الاستذكار ، لابن عبد البر ، المصدر السابق ، ص 88- 89 /1 .
(43) الرحلة المغربية ، ص 82 .
(44) موطأ الإمام مالك ، المصدر السابق ،حديث رقم 26 .
(45) الاستذكار لابن عبد البر ، ص 89/1 .
(46) الاستذكار ، لابن عبد البر ، ص 89/1 .
(47) رواه الإمام البخاري في صحيحه ، كتاب التيمم ، ص 86/1 ، نشر دار الفكر ، د ، ت.
(48) الاستذكار ، لابن عبد البر ، ص 93 – 94 / 1 .
ورقة من إعداد / الدكتور جمعة محمود الزريقي ، مشارك بها في ندوة ليبيا في الرحلات العربية والغربية ( نحو رؤية تحليلية ومقارنة ) طرابلس الغرب 21 – 22 / 12 / 1376 ور – 2008 م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حليمة




عدد المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 04/01/2016

القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس    القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس  Icon_minitimeالإثنين أكتوبر 09, 2023 9:37 pm

اشهر كتب أقوى شيخ مغربي روحاني لعلاج و إبطال السحر و فك الربط أكبر روحاني شيخ مغربي لجلب الحبيب السريع جلب الحبيب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
القاطي العبدري - رحلة القاطي العبدري الي تونس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شيخ معالج يرقي السحر والجن بالكويت مجرب وثقة
» تجربتي مع افضل شيخ معالج روحاني مغربي القاطي العبدري
» رحلة الانسان
» هل كانت رحلة الإسراء والمعراج في شهر رجب ؟؟
» محمد بن محمد بن الحاج العبدري الفقيه الرحالة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الطيب الشنهوري :: استمع الى القران الكريم مباشرة-
انتقل الى: