من طرائف العرب
قال الموصلي :
ذات يوم وأَنا تائهٌ في صحراء البادية لقيتُ رجلاً
من أَعرابِ الموصلِ،
فقلتُ لهُ :ـ من أَيّ القومِ أَنت ؟!
قالَ :ـ أنا رجلٌ من الأَعرابِ والبَدو .
قلتُ :ـ وما البدو .. ؟!
قال :ـ هُم قومٌ أَهلُ ضعنٍ وسَرْو .
قلتُ :ـ وما سرَو ..؟!
قالَ :ـ هو نقلُ الخُطـا ما بينَ دوٍّ ودَو .
قلتُ :ـ وما دو ..؟!
قالَ :ـ هي أَرضٌ لا تسمعُ فيها سِوى الصَّو .
قلتُ :ـ وما الصَّو ..؟!
قالَ :ـ هو صوتٌ مُخيفٌ تسمعهُ منَ الخو .
قلتُ :ـ وما الخَو .. ؟!
قالَ :ـ هو داءٌ لا يشفيكَ منهُ إِلا أَكلةُ الشَّو .
قلتُ :ـ وما الشَّو ..؟!
قالَ :ـ هو شيءٌ تراهُ إذا ما نظرتَ في الزَّو .
قلتُ :ـ وما الزَّو ..؟!
قالَ : ـ وقد قام وضجِرَ مني هو شيءٌ سأَضعُكَ فيهِ في التَّو .
فقامَ وحملني ووضعني في قدرٍ كبيرٍ !!
قلتُ :ـ أَخرجني باركَ اللهُ فيك فقد عرفتُهُ ..
قالَ :ـ لا واللهِ لا أُخرِجُكَ أَبداً .
قلتُ :ـ وما جريرتي عفا اللهُ عنكَ ..؟!
قالَ :ـ لأَنكَ لا تعرِفُ الحَوَّ مِنَ اللَّو .
فصِحتُ وأَنا في القِدرِ : وما اللَّو ..؟!
فضحِكَ الأَعرابي حتى كادَ يقع، فأَخرجني، ورويتُ لهُ قصتي، فأَشفقَ عليَّ، وأَدخلني بيتَهُ، وقدَّمَ ليَ الطعامَ ، ثُمَّ قالَ لي ونحنُ نأْكُلُ : وأَنتَ يا أَخَ العرب من أَيِّ القومِ ..؟!
فأَردتُ أَنْ أُجاريهِ في كلامِهِ وهيهات .
فقلتُ :ـ أَنا من قومٍ قد طووا المكارِمَ طي .
ففطِنَ إِلى ما أُريدُ، فقالَ وهو يبتسمُ : وما طَي ..؟!
قلتُ :ـ قومٌ يكثرُ فيهمُ المَيْتُ والحَي .
فقال :وما الحَي .. ؟!
قلتُ :ـ حيٌّ يسكنُ أَهلُهُ بين الشمسِ والفَي .
قالَ :ـ وما الفَيْ ..؟!
قلتُ :ـ ظِلٌّ ظليلٌ فيهِ السَّقاءُ والرَّي .
فقالَ :ـ وما الرَّي ..؟!
قلتُ :ـ ماءٌ يسعى إِليهِ من يغُصُّ بالشَّيء .
قالَ :ـ وما الشَّيء ..؟!
قلتُ :ـ شيءٌ قدِ اشتوى وشيءٌ بعدهُ ني .
قالَ :ـ وما ني ..؟!
قلتُ :ـ لحمٌ كُلٌّ يقولُ إِنَّهُ لِي .
قالَ :وقد دفعَهُ إِليَّ : وما لِي ..؟!
قلتُ : وقد دفعتُهُ إِلَيهِ لكَ فيهِ جميعُ الأَمرِ والنهي .
فضحكَ وضحِكتُ معهُ، ثُمَّ قالَ لي : لا يأمُرَنَّ عليك ذو بغيٍّ وغَي .
فقلتُ : وما غَي ..؟!
فضحكَ
وقالَ : أَخشى أَنْ أُجيبكَ وتُجيبني؛ فلا ننتهي من هذا الأَمر أَبدا .
ثُمَّ دلَّني على الطَّريقِ، فكانَ يوماً لا أَنساه ما حييت.
_____________________________________