الطيب الشنهوري
اهلا وسهلا زائرنا الكريم.. تفضل بالتسجيل فى المنتدى
ادارة المنتدى / الطيب
الطيب الشنهوري
اهلا وسهلا زائرنا الكريم.. تفضل بالتسجيل فى المنتدى
ادارة المنتدى / الطيب
الطيب الشنهوري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الطيب الشنهوري

منتدى ثقافي - ديني - اجتماعي - علمي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  في رحاب الهجرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الطيب الشنهورى
مدير المنتدي
الطيب الشنهورى


عدد المساهمات : 10507
تاريخ التسجيل : 06/10/2011

	في رحاب الهجرة  Empty
مُساهمةموضوع: في رحاب الهجرة    	في رحاب الهجرة  Icon_minitimeالإثنين أكتوبر 19, 2015 6:10 pm

• في رحاب الهجرة :
في الحديث عن إرهاصات الهجرة النبوية المباركة ، قد يظن البعض أنها بدأت قبيل وقوع أحداثها مباشرة
إلا أن التحقيق التاريخي يقول إن إرهاصاتها بدأت مع بداية الرسالة المحمدية ، أي من يوم نزول ( اقرأ )
وذلك بقول ورقة بن نوفل الأسدي رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم :
يا ليتني فيها جذع ، ليتني أكون حيا ، إذ يخرجك قومك .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أو مخرجيّ هم ؟ "
قال : نعم . لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا .

كان الصديق أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه قد أزمع الهجرة إلي الحبشة يوما ، وخرج فعلا حتى وصل إلي برك الغماد ( قيل هو موضع وراء مكة بخمس ليال ) فلقيه مالك ابن الدغنة ( سيد الأحابيش ) فأقنعه بالعدول عن ترك مكة وأعاده إليها ، وأدخله في جواره .
ثم يهم الصديق بالهجرة مرة أخري ، ويتجهز لذلك ،
إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : "علي رسلك ، فإني أرجو أن يؤذن لي "
فيقول الصديق : وترجو ذلك بأبي أنت وأمي ؟
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم ". .....
وحينئذ يحبس الصديق نفسه علي رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته ، ويبدأ في الإعداد والاستعداد لهذا الحدث العظيم . حتى إن بعض علماء الإسلام المحققين رحمه الله قال :
كان الصديق رحمه الله تعالي مهندس رحلة الهجرة ، إذ اشتري راحلتين ( إحداهما القصواء ) من نعم بني قشير الشهيرة ،،
( تماثل مرسيدس هذا الزمان ) بثمانمائة درهم ، وأمر بعلفهما حتى يأذن الله تعالي ،،
وفى هذا يقول الشيخ محمد أحمد بدوي صاحب ( كفاية المسلم في الجمع بين صحيحي البخاري ومسلم ) رحمه الله تعالى :
[ وعلف هاتين الراحلتين ورق السمر ( وهو الخبط ) أربعة أشهر ] .

قال ابن اسحق :
فأتي جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا تبت هذه الليلة علي فراشك الذي كنت تبيت عليه .
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه :
" نم علي فراشي ، وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه ، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ".آهـ
ثم أمره أن يؤدي عنه الودائع التي عنده للناس .
وهنا .... لا يمكننا أن نسترسل قبل أن نتوقف ونتأمل ونتدبر ....
يعادونه ... ويأتمر أشرافهم علي قتله ....
ومع ذلك ... لا يجدون سواه يأتمنونه علي ودائعهم !!!
وفي المقابل ..
يترك النبي صلى الله عليه وسلم لهم الجمل بما حمل ( يخرج من مكة مهاجرا ) ،،
وفي الاستطاعة أخذ كل الودائع عوضا عن ما يترك في مكة ، ولكنه لم يفعل ، بل وما ينبغي له أن يفعل .
والسبب في الحالين أنه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الصادق الأمين ، المبعوث رحمة للعالمين ، المتمم لمكارم الأخلاق ، صلوات ربنا وسلامه عليه .
ويخرج من بيته مخترقا تجمعهم وترصدهم وهو يتلو صدر سورة " يس " ، ويذهب إلي حيث يريد ، وهم لا يشعرون .
[ كان خروجه صلى الله عليه وسلم من بيته لثلاث بقين من شهر صفر ] ،،
ثم ... يذهب إلي بيت الصديق ... ومنه يخرجا معا ، مساء يوم الخميس أي (ليلة الجمعة ) إلي حيث غار ثور ، حيث يقع جنوبي مكة .
ويكون الوصول إليه قبيل فجر الجمعة .
وهناك يمكثان إلي ليلة الاثنين .
وفي هذه المدة تجري أحداث كثيرة يطيب لنا أن نشير إليها وإلي أبطالها .


من أبطال الهجرة النبوية المباركة :
1 ــ عبد الله بن أبي بكر :
[ شقيق أسماء بنت أبي بكر ، أمهما قتيلة بنت عبد العزي من بني عامر بن لؤي القرشية ] ،،
شاب ثقف لقن ، يدلج من عندهما بسحر ، فيصبح مع قريش بمكة كبائت ، فلا يسمع أمرا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام .
وقد ذكره صاحب ( در السحابة في بيان مواضع وفيات الصحابة ) بأنه شهد الطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرمي بسهم فجرحه ، فاندمل جرحه ، ثم انتفض به ، فمات في مكة من أول خلافة أبيه .


2 ــ أسماء بنت أبي بكر :
هي أكبر ولد أبي بكر ،،،،، أسلمت بعد 17 نفسا ،،،
روت تقول :
صنعت سفرة للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حين أرادا المدينة ، فقلت لأبي ما أجد شيئا أربطه إلا نطاقي ، قال فشقيه ، ففعلت ، فسميت ذات النطاقين .
وتحدثنا كتب السيرة أنه لما طاش صواب المشركين بحثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ، ذهب نفر منهم إلي بيت أبي بكر ، وكان فيهم أبو جهل ، وسألوا عن أبي بكر ، فأجابتهم أسماء قائلة :لا أدري ، فلطمها أبو جهل لطمة منكرة طرح منها قرطها .
وحين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر ، احتمل أبو بكر ماله كله معه ( 5آلاف أو 6 آلاف درهم ) ،، فدخل أبو قحافة _ وقد كف وذهب بصره _ علي أحفاده يتقصي حالهم ، وإذا بأسماء تطمئنه بأن أباها ترك لهم ما يكفيهم. .
ثم إنها كانت حبلي في عبد الله ،،،
ومع أنها كانت في أيامها الأخيرة من الحمل ، إلا أنها كانت تحمل الطعام وتذهب إليهما به ، فتصعد الجبل الشاهق ، ضاربة بذلك أعظم الأمثلة في الإيمان والإخلاص والصبر وتحمل المشاق .
ثم إنها هاجرت إلي المدينة وهي حامل متم ، فوضعت عبد الله بقباء ، فكان أول مولود للمهاجرين في المدينة .
وقد عاشت ذات النطاقين إلي أن ولي ابنها الخلافة ثم قتل ، فماتت بعده بقليل في مكة في سنة 73هـ ، مكفوفة البصر ، عجوزا طوالة ، عمرها نحو 100 عام ، لتكون آخر المهاجرين والمهاجرات وفاة .



3 ــ عامر بن فهيرة ( أبو عمر ) :
مولي أبي بكر الصديق ، كان من السابقين للإسلام ، وكان قارئا كاتبا ، ذكره ابن القيم في ( زاد المعاد ) ضمن كتّاب النبي صلى الله عليه وسلم ، كما ذكره ابن الجوزي في ( صفة الصفوة ) ضمن من شهد غزوتي بدر وأحد ، وقتل شهيدا يوم بئر معونة سنة 4 هـ ، وهو ابن 40 عاما .
كان دوره في ليالي الغار أن يرعي منحة من غنم ، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما حتى ينعق عامر بغلس ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليلي .
وفي الطريق ،، يردفه الصديق خلفه مصاحبا لهما . ...
وفي أثناء ذلك يأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب كتاب أمن لسراقة بن مالك ، حين لحق بالركب المبارك ، فكتب .


4 ــ عبد الله بن أريقط الدئلي الليثي :
وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها بأنه كان هاديا خريتا ( أي ماهرا بالهداية ) ، استأجراه دليلا لهما في رحلتهما ، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ، فأتاهما في الموعد ، لتبدأ الرحلة الخالدة الميمونة ،
ثم إنه سلك بهما طريق الساحل غير المطروق .....( حوالي 200 ميل )
وقد وصف محطات هذا الطريق الوصف الدقيق الأستاذ الدكتور حسين مؤنس في كتابه القيم ( أطلس تاريخ الإسلام ) ،
وذكر فيه أن وصول ركب الهجرة المبارك إلي قباء كان يوم الاثنين 12 ربيع الأول عام 1 هـ الموافق 24 سبتمبر عام 622 م ،،،
ويجدر بالذكر أن عبد الله بن أريقط هذا كان مشركا آنذاك ....
ومع أن أغلب كتب السيرة سكتت عن ذكر إسلامه من عدمه ، إلا أن صاحب (تحفة الألباب في شرح الأنساب ) ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه : " هو أمين " .
ولعمري .... إن الأمانة لإحدى صفات المؤمن ،،،
ثم ... كيف لرجل أمين يخالط النبي صلى الله عليه وسلم أياما معدودات تكتنفها ظروف هذا السفر المشترك بما تحيط به من مصاعب ومخاوف ، ومع ذلك لا يسلم ؟ !!
إنه لأمر مستبعد ، خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر بعد وصولهما قباء سالمين أرسلا عبد الله هذا ، ومعه أبا رافع وزيد بن حارثة إلي مكة ، ليأتوا بأهليهما منها [ فاطمة وأم كلثوم وسودة بنت زمعة وأسماء وعائشة وأم رومان وأم أيمن وأسامة بن زيد ] . علي ما ذكره ابن سعد في طبقاته الكبرى .


5 ــ سراقة بن مالك الجعشمي الكناني المدلجي أبو سفيان :
لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، يرجو أن يرده علي قريش ، فيقبض الجائزة ( وهى مائة ناقة ) ،،
ويدعو النبي صلى الله عليه وسلم قائلا : " اللهم أكفيناه بما شئت " ..... ويتحقق الدعاء فورا .....
فيعتدل ميزان سراقة ،،،
فبعد أن كان أول النهار جاهدا عليهما ، يصبح حارسا ومسلحة لهما في آخره ، إذ يرجع ، فلا يلقي أحدا من الطلب إلا رده .
وقد وعده النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ في نبوءة نبوية محققة أن يلبس سواري كسري أنو شروان ،
ويتحقق ذلك بعد فتح المدائن ( عاصمة الفرس ) في عهد الفاروق عمر بن الخطاب ،،،
إذ كان سراقة قد كف بصره ، يقوده غلامه إلي حيث عمر، فيلبسه سواري كسري . كما وعده الصادق المعصوم صلوات ربنا وسلامه عليه .

أول المهاجرين إلي المدينة :
هو أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي ...
كان قد هاجر إلي المدينة قبل بيعة العقبة الكبرى بسنة ،
ذلك أنه كان قد قدم من الحبشة إلي مكة ، فآذته قريش ، وبلغه أن جماعة من الأنصار قد أسلموا ، فهاجر إلي المدينة ،
فكان أول المهاجرين إليها . علي ما ذكره الحافظ الذهبي في كتابه ( تاريخ الإسلام ) .

آخر المهاجرين :
العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ،،،
تأخر في إعلان إسلامه ، حتى إذا رحل إلي المدينة مهاجرا ، لقي النبي صلى الله عليه وسلم قادما منها في طريقه إلي فتح مكة ،
فلما اخبره أنه جاء إليه مهاجرا ، أمره أن يرسل رحله إلي المدينة ، ويرجع معه لفتح مكة ،، قائلا له :
" أنت آخر المهاجرين ، وأنا آخر الأنبياء "
علي ما ذكره صاحب ( الكامل في التاريخ ) ،،
ومنذئذ ، حيث لا هجرة بعد الفتح ، أصبح العباس آخر المهاجرين .

من الجدير بالذكر أن نلتفت إلي أن أحداث الهجرة وقعت في ما بين أواخر شهر صفر ومنتصف شهر ربيع الأول من عام الهجرة ،
ومع ذلك فقد اعتبر شهر المحرم الذي وقعت في عامه ، هو بداية التقويم الإسلامي ( الهجري ) ،
ومن ثم فإن الاحتفال الإسلامي بهذه الذكري الخالدة يتجدد في شهر المحرم من كل عام . باعتباره أول الشهور العربية الإسلامية .


نسب التأريخ الإسلامي بالهجرة إلي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ،،
و أفاد السهيلي في ( الروض الأنف ) أن الصحابة رضي الله عنهم أخذوا التأريخ بالهجرة من قوله تعالى :
{ لمسجد أسس على التقوى من أول يوم } ،،،،
لأنه من المعلوم أنه ليس أول الأيام مطلقاً ، فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر ، و هو أول الزمن الذي عز فيه الإسلام ، و عبد فيه النبي صلى الله عليه وسلم ربه آمناً ، و ابتداء المسجد ، فوافق رأي الصحابة ابتداء التاريخ من ذلك اليوم .

أبدى بعضهم للبدء بالتأريخ بالهجرة مناسبة فقال :
كانت القضايا التي اتفقت له و يمكن أن يؤرخ بها أربعة :
مولده ومبعثه و هجرته و وفاته ،
فرجح عندهم جعلها من الهجرة ؛
لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة ، وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الأسف عليه ، فانحصر في الهجرة ،
وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم ،،،
لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم ، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة ، (بيعة العقبة الثانية الكبرى كانت في ذي الحجة من العام الثالث عشر للبعثة ) ، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم ، فناسب أن يجعل مبتدأ ،
و هذا من أقوى ما يوقف عليه بصدد مناسبة الابتداء بالمحرم .


في قباء ،،، لحق علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالركب المهاجر المبارك الميمون ، بعد أن أدي عن النبي صلي الله عليه وسلم ما كان للناس عنده من ودائع وأمانات .
لطيفة تنبيهية :
ـــــــــــــــــــــــــ
لنعد قراءة هذه الجملة الآنفة :
في قباء ،،، لحق علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالركب المهاجر المبارك الميمون ، بعد أن أدي عن النبي صلي الله عليه وسلم ما كان للناس عنده من ودائع وأمانات ) .
نعم ،، كما قلنا آنفا :
كان القرشيون يعادونه صلوات الله وسلامه عليه ، إلي أبعد حدود العداء ،،،
ومع ذلك لايجدون أأمن من رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أماناتهم وودائعهم ،، فيضعونها عنده .،
وقد كان الظن بمقاييس البشر في دنيا الناس ، أن يخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم مهاجرا ومعه هذه الودائع ، انتقاما من قريش ، أو عوضا عما تركه لهم في مكة المكرمة ، أو ،، أو ،، الخ ،،
فإن لم يستطع ، فليقم بذلك علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الفترة التالية لهجرته صلي الله عليه وسلم ،
ولكن ،،
ما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم ليفعل ذلك مطلقا ،
فهو الصادق الأمين ، وهو المتمم لمكارم الأخلاق ، ( والأمانة إحدي مكارم الإخلاق ) ،
إنه رسول رب العالمين صلوات الله وسلامه عليه .


نزل النبي صلي الله عليه وسلم في قباء ،، في بني عمرو بن عوف على كلثوم بن الهدم ،،
ومكث مدة أربع عشرة ليلة حتى صبيحة يوم الجمعة ثم غادرها إلي المدينة ،
وفي الطريق أدركته صلاة الجمعة فصلاها ،
يقول ابن الأثير في كتابه ( النهاية في غريب الحديث ) عن هذه الجمعة :
إن أول جمعة جمعت في الإسلام بالمدينة في هزم بني بياضة ( مكان متطامن من الأرض ) .

واصل النبي صلي الله عليه وسلم سيره من قباء ، راكبا القصواء ، ليصل إلي المدينة المنورة بنوره في مساء ذلك اليوم المبارك الميمون ( الجمعة ) ،
ولا يخفاك أن كل بيت من بيوت الأوس والخزرج كان يستشرف لنزوله صلي الله عليه وسلم عندهم ، فيمسكون بزمام القصواء ،، يعرضون عليه ذلك ، فيجيبهم بالأدب النبوي السامي قائلا :
" دعوها فإنها مأمورة "
حتى وصلت إلي حيث بركت ،،،
[ سيأتي الحديث عن القصواء بإذن الله ] ،،
وصار هو المنزل ( ذلك الذي نراه اليوم المسجد النبوي ، بما فيه من مقصورته الشريفة صلوات الله وسلامه عليه ) ، حيث شرع في تأسيسه وبنائه مشاركا في ذلك بنفسه .
استغرق بناء المسجد اثني عشر يوماً،،

من الجدير بالذكر ومن ترصيع البيان أنه صلي الله عليه وسلم عقب هجرته مباشرة طلب إحصاءً بعدة المسلمين في المدينة ، فأحصوا ، فكانوا ألفا وخمسمائة علي ما رواه الشيخان البخاري ومسلم .
وفي المدينة ـــ كما يقول ابن اسحق فيما نقله عنه ابن هشام أنه صلي الله عليه وسلم ـــ كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار ، وادع فيه يهود ، وعاهدهم ، وأقرهم علي دينهم وأموالهم ، وشرط لهم واشترط عليهم .
كما قرر مبدأ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في المدينة ، في أسلوب من الأساليب الاجتماعية النبوية المحكمة بما لم يكن لها ثمة مثيل من لدن آدم إلي الآن ، وإلي أن تقوم الساعة .


من جدير ما يذكر بصدد الهجرة :
أنها كانت من أوسمة المسلمين الأول ،
إذ كان يقال للواحد منهم هاجر الهجرتين ، وصلي إلي القبلتين .
وقد ورد الحديث " ثلاث من الكبائر .. منها التعرب بعد الهجرة ( وهو أن يعود إلي البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا ) .

من توافق الأقدار ،،،،،
أن قريشا في مكة لم تؤد إتاوة قط إلي أحد من الملوك ،،
ومنها هاجر النبي صلي الله عليه وسلم إلي يثرب ( المدينة المنورة بنوره صلوات الله وسلامه عليه ) حيث الأوس والخزرج ( الأنصار) ،
وهم أيضا لم يؤدوا إتاوة قط إلي أحد من الملوك .
فسبحان مقدر الأقدار .


من خلاصة القول في الهجرة النبوية المباركة ما سطره العلامة الشيخ أبو الوفا المراغي الجرجاوي رحمه الله تعالي في كتابه ( من رياض السيرة العطرة ) إذ كتب :
ومن الغريب أن أعداء الدعوة الإسلامية حاولوا أن يلتمسوا من أعمال النبي صلي الله عليه وسلم مغامز يشوهون بها جمالها وجلالها ، ويلبسون الحق فيها بالباطل إلا حادث الهجرة .. فما قرأنا لمعاند أو زائغ حديثا فيه ، ولا ناله بالسوء منهم قلم أو لسان ولعل ذلك لأن هذا الحادث كان كله مشقات وتضحيات ، لا سبيل فيه لاحتمال الشهوة والغرض مكان .. آهـ
نعم ،،
كانت الهجرة النبوية المباركة للحق ، وفي سبيل الحق ،،،،
ولهذا ،فهي جديرة بجميل الذكر وشرف الخلود .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في رحاب الهجرة النبوية المباركة
صلاح جاد سلام

_____________
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الطيب الشنهورى
مدير المنتدي
الطيب الشنهورى


عدد المساهمات : 10507
تاريخ التسجيل : 06/10/2011

	في رحاب الهجرة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: في رحاب الهجرة    	في رحاب الهجرة  Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 21, 2015 8:50 pm

ﻓﻮﺍﺋﺪ ﻭﺩﺭﻭﺱ ﻭﻋﺒﺮ ﻣﻦ ﻫﺠﺮﺓ ﺳﻴﺪ ﺍﻟﺒﺸﺮ
1 ـ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻣﻦ ﺳﻨﻦ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ :
ﺇﻥ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﻨﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ، ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺠﺮﺓ
ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺪﻋﺎً ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺮﺳﻞ
ﻟﻨﺼﺮﺓ ﻋﻘﺎﺋﺪﻫﻢ ، ﻓﻠﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻫﺎﺟﺮ ﻣﻦ ﻭﻃﻨﻪ ﻭﻣﺴﻘﻂ
ﺭﺃﺳﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺣﻔﺎﻇﺎً ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺇﻳﺠﺎﺩ ﺑﻴﺌﺔ ﺧﺼﺒﺔ
ﺗﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ﻭﺗﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻬﺎ ﻭﺗﺬﻭﺩ ﻋﻨﻬﺎ ، ﻓﻘﺪ ﻫﺎﺟﺮ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ
ﺇﺧﻮﺍﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻗﺒﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﻭﻃﺎﻧﻬﻢ ﻟﻨﻔﺲ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ
ﺩﻋﺖ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻟﻠﻬﺠﺮﺓ .
ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻓﻲ ﺃﺭﺽ ﻗﺎﺣﻠﺔ ﻻ ﻳﺨﺪﻣﻬﺎ ﺑﻞ
ﻳﻌﻮﻕ ﻣﺴﺎﺭﻫﺎ ﻭﻳﺸﻞ ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ ، ﻭﻗﺪ ﻳﻌﺮﺿﻬﺎ ﻟﻼﻧﻜﻤﺎﺵ ﺩﺍﺧﻞ
ﺃﺿﻴﻖ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ، ﻭﻗﺪ ﻗﺺ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﻣﻦ
ﻫﺠﺮﺍﺕ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻭﺃﺗﺒﺎﻋﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻟﺘﺒﺪﻭ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ
ﻭﺿﻮﺡ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺳﻨﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻬﺎ ﻛﻞ
ﻣﺆﻣﻦ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﺇﺫﺍ ﺣﻴﻞ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﻭﻋﺰﺗﻪ،
ﻭﺍﺳﺘﺨﻒ ﺑﻜﻴﺎﻧﻪ ﻭﻭﺟﻮﺩﻩ ﻭﺍﻋﺘﺪﻱ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻭﺀﺗﻪ ﻭﻛﺮﺍﻣﺘﻪ
(1) .
2 ـ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﺻﺮﺍﻉ ﻗﺪﻳﻢ ﻭﻣﻤﺘﺪ :
ﻭﻫﻮ ﺳﻨﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﻧﺎﻓﺬﺓ ، ﻗﺎﻝ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ : ﴿ ﺍﻟﺬﻳﻦ
ﺃﺧﺮﺟﻮﺍ ﻣﻦ ﺩﻳﺎﺭﻫﻢ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻟﻮﺍ ﺭﺑﻨﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻟﻮﺍ
ﺩﻓﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﻟﻬﺪﻣﺖ ﺻﻮﺍﻣﻊ ﻭﺑﻴﻊ
ﻭﺻﻠﻮﺍﺕ ﻭﻣﺴﺎﺟﺪ ﻳﺬﻛﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻭﻟﻴﻨﺼﺮﻥ ﺍﻟﻠﻪ
ﻣﻦ ﻳﻨﺼﺮﻩ ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻘﻮﻱ ﻋﺰﻳﺰ ﴾ ( ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﺞ ، ﺍﻵﻳﺔ 40: ) .
ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻌﺎﻗﺒﺔ : ﴿ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻷﻏﻠﺒﻦ
ﺃﻧﺎ ﻭﺭﺳﻠﻲ ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﻮﻱ ﻋﺰﻳﺰ ﴾ ( ﺍﻟﻤﺠﺎﺩﻟﺔ: ﺍﻵﻳﺔ 21 ) .
3 ـ ﻣﻜﺮ ﺧﺼﻮﻡ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺑﺎﻟﺪﺍﻋﻴﺔ ﺃﻣﺮ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻣﺘﻜﺮﺭ ،
ﺳﻮﺍﺀ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﺒﺲ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﻔﻲ ﻭﺍﻹﺧﺮﺍﺝ ﻣﻦ
ﺍﻷﺭﺽ ، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﺍﻋﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﻠﺠﺄ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻪ ﻭﺃﻥ ﻳﺜﻖ ﺑﻪ
ﻭﻳﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻜﺮ ﺍﻟﺴﻲﺀ ﻻ ﻳﺤﻴﻖ ﺇﻻ ﺑﺄﻫﻠﻪ (2) ،
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ: ﴿ ﻭﺇﺫ ﻳﻤﻜﺮ ﺑﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭﺍ ﻟﻴﺜﺒﺘﻮﻙ ﺃﻭ
ﻳﻘﺘﻠﻮﻙ ﺃﻭ ﻳﺨﺮﺟﻮﻙ ﻭﻳﻤﻜﺮﻭﻥ ﻭﻳﻤﻜﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮ
ﺍﻟﻤﺎﻛﺮﻳﻦ﴾ ( ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻷﻧﻔﺎﻝ : ﺍﻵﻳﺔ 30 ) .
ﻭﻣﻦ ﻣﻜﺮ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻭﺧﺼﻮﻡ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺳﻼﺡ
ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻹﻏﺮﺍﺀ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻟﻠﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺓ
ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺭﺻﺪﻭﺍ ﻣﺎﺋﺔ ﻧﺎﻗﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺄﺣﺪ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﺣﻴﺎً ﺃﻭ
ﻣﻴﺘﺎً، ﻓﺘﺤﺮﻙ ﺍﻟﻄﺎﻣﻌﻮﻥ ﻭﻣﻨﻬﻢ ﺳﺮﺍﻗﺔ ، ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺎﺩ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻤﻐﺎﻣﺮﺓ ﺍﻟﺨﺎﺳﺮﺓ ﻣﺎﺩﻳﺎً ﺑﺄﻭﻓﺮ ﺭﺑﺢ ﻭﺃﻃﻴﺐ ﺭﺯﻕ، ﻭﻫﻮ ﺭﺯﻕ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺃﺧﺬ ﻳﻌﻤﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺎﻣﻌﻴﻦ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ
ﺍﺟﺘﻬﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﻠﺐ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺋﻪ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺓ
(3) ، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ﴿ ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭﺍ ﻳﻨﻔﻘﻮﻥ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ
ﻟﻴﺼﺪﻭﺍ ﻋﻦ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﺴﻴﻨﻔﻘﻮﻧﻬﺎ ﺛﻢ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﺴﺮﺓ
ﺛﻢ ﻳﻐﻠﺒﻮﻥ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢ ﻳﺤﺸﺮﻭﻥ ﴾ ( ﺍﻷﻧﻔﺎﻝ :
ﺍﻵﻳﺔ 36 ) .
4 ـ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺤﺴﻴﺔ :
ﻭﻓﻲ ﻫﺠﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻗﻌﺖ
ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺣﺴﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﺩﻻﺋﻞ ﻣﻠﻤﻮﺳﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻔﻆ ﺍﻟﻠﻪ
ﻭﺭﻋﺎﻳﺘﻪ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻭﻣﻦ ﺫﻟﻚ ـ ﻋﻠﻰ
ﻣﺎ ﺭﻭﻱ ـ ﻧﺴﻴﺞ ﺍﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺕ ﻋﻠﻰ ﻓﻢ ﺍﻟﻐﺎﺭ ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺟﺮﻯ
ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻊ ﺃﻡ ﻣﻌﺒﺪ ، ﻭﻣﺎ ﺟﺮﻯ ﻟﻪ
ﻣﻊ ﺳﺮﺍﻗﺔ، ﻭﻭﻋﺪﻩ ﺇﻳﺎﻩ ﺑﺄﻥ ﻳﻠﺒﺲ ﺳﻮﺍﺭﻱ ﻛﺴﺮﻯ، ﻓﻌﻠﻰ
ﺍﻟﺪﻋﺎﺓ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺘﻨﺼﻠﻮﺍ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﻕ، ﺑﻞ ﻳﺬﻛﺮﻭﻫﺎ ﻣﺎ
ﺩﺍﻣﺖ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻨﺒﻬﻮﺍ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﻕ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺩﻻﺋﻞ ﻧﺒﻮﺗﻪ ﻭﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﻋﻠﻴﻪ
ﺍﻟﺴﻼﻡ (4) .
5 ـ ﺟﻮﺍﺯ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎﻓﺮ ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﻥ :
ﻭﻳﺠﻮﺯ ﻟﻠﺪﻋﺎﺓ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻴﻨﻮﺍ ﺑﻤﻦ ﻻ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺪﻋﻮﺗﻬﻢ ﻣﺎ
ﺩﺍﻣﻮﺍ ﻳﺜﻘﻮﻥ ﺑﻬﻢ ﻭﻳﺄﺗﻤﻨﻮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻌﻴﻨﻮﻥ ﺑﻪ ﻣﻌﻬﻢ ،
ﻓﻘﺪ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﺍﺳﺘﺄﺟﺮﺍ
ﻣﺸﺮﻛﺎً ﻟﻴﺪﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻭﺩﻓﻌﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺭﺍﺣﻠﺘﻴﻬﻤﺎ
ﻭﻭﺍﻋﺪﺍﻩ ﻋﻨﺪ ﻏﺎﺭ ﺛﻮﺭ، ﻭﻫﺬﻩ ﺃﻣﻮﺭ ﺧﻄﻴﺮﺓ ﺃﻃﻠﻌﺎﻩ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،
ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺻﺎﺣﺒﻪ ﻭﺛﻘﺎ ﺑﻪ
ﻭﺃﻣﻨﺎﻩ ، ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺎﺻﻲ ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﺘﺴﺐ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻋﺎﺓ ﻗﺪ ﻳﻮﺟﺪ ﻋﻨﺪ ﻫﺆﻻﺀ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﻭﺛﻮﻕ ﺍﻟﺪﻋﺎﺓ
ﺑﻬﻢ ، ﻛﺄﻥ ﺗﺮﺑﻄﻬﻢ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﻘﺮﺍﺑﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺃﻭ
ﺍﻟﺠﻮﺍﺭ ﺃﻭ ﻋﻤﻞ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻗﺪﻣﻪ ﺍﻟﺪﺍﻋﻴﺔ ﻟﻬﻢ . ﺃﻭ ﻷﻥ
ﻫﺆﻻﺀ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻧﻮﻉ ﺟﻴﺪ ﻣﻦ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ
ﻭﺣﺐ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ، ﻭﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ
ﺗﻘﺪﻳﺮﻳﺔ ﻳﺘﺮﻙ ﺗﻘﺪﻳﺮﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻓﻄﻨﺔ ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪ
ﺑﺎﻟﺸﺨﺺ (5) .
6 ـ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ :
ﻭﻗﺪ ﻟﻤﻌﺖ ﻓﻲ ﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ
ﻓﻀﻞ ﻛﺒﻴﺮ ﻭﻧﺼﻴﺐ ﻭﺍﻓﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ : ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﺃﺑﻲ
ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻔﻈﺖ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﻭﻭﻋﺘﻬﺎ ﻭﺑﻠﻐﺘﻬﺎ ﻟﻸﻣﺔ ،
ﻭﺃﻡ ﺳﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮﺓ ﺍﻟﺼﺒﻮﺭ ، ﻭﺃﺳﻤﺎﺀ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻨﻄﺎﻗﻴﻦ (6)
ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺎﻫﻤﺖ ﻓﻲ ﺗﻤﻮﻳﻦ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ
ﻭﺻﺎﺣﺒﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﺭ ﺑﺎﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻐﺬﺍﺀ، ﻭﻛﻴﻒ ﺗﺤﻤﻠﺖ ﺍﻷﺫﻯ ﻓﻲ
ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ ؟ ﻓﻘﺪ ﺣﺪﺛﺘﻨﺎ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺎﻟﺖ : ﻟﻤﺎ ﺧﺮﺝ ﺭﺳﻮﻝ
ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺃﺗﺎﻧﺎ ﻧﻔﺮ
ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ، ﻓﻴﻬﻢ ﺃﺑﻮ ﺟﻬﻞ ﺑﻦ ﻫﺸﺎﻡ ، ﻓﻮﻗﻔﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺏ
ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ، ﻓﺨﺮﺟﺖ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ : ﺃﻳﻦ ﺃﺑﻮﻙ ﻳﺎ ﺑﻨﺖ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ؟
ﻗﺎﻟﺖ: ﻗﻠﺖ : ﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻳﻦ ﺃﺑﻲ؟ ﻗﺎﻟﺖ : ﻓﺮﻓﻊ ﺃﺑﻮ ﺟﻬﻞ
ﻳﺪﻩ ـ ﻭﻛﺎﻥ ﻓﺎﺣﺸﺎً ﺧﺒﻴﺜﺎً ـ ﻓﻠﻄﻢ ﺧﺪﻱ ﻟﻄﻤﺔ ﻃﺮﺡ ﻣﻨﻬﺎ
ﻗﺮﻃﻲ ﻗﺎﻟﺖ: ﺛﻢ ﺍﻧﺼﺮﻓﻮﺍ ) (7) .
ﻓﻬﺬﺍ ﺩﺭﺱ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﺗﻌﻠﻤﻪ ﻟﻨﺴﺎﺀ
ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺟﻴﻼً ﺑﻌﺪ ﺟﻴﻞ ﻛﻴﻒ ﺗﺨﻔﻲ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ
ﺍﻷﻋﺪﺍﺀ ، ﻭﻛﻴﻒ ﺗﻘﻒ ﺻﺎﻣﺪﺓ ﺷﺎﻣﺨﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﻗﻮﻯ ﺍﻟﺒﻐﻲ
ﻭﺍﻟﻈﻠﻢ؟ ﻭﺃﻣﺎ ﺩﺭﺳﻬﺎ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺒﻠﻴﻎ ، ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺩﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﺟﺪﻫﺎ ﺃﺑﻮ ﻗﺤﺎﻓﺔ ، ﻭﻗﺪ ﺫﻫﺐ ﺑﺼﺮﻩ، ﻓﻘﺎﻝ : ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺇﻧﻲ ﻷﺭﺍﻩ
ﻗﺪ ﻓﺠﻌﻜﻢ ﺑﻤﺎﻟﻪ ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻗﺎﻟﺖ : ﻛﻼ ﻳﺎ ﺃﺑﺖ، ﺿﻊ ﻳﺪﻙ
ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺎﻝ . ﻗﺎﻟﺖ: ﻓﻮﺿﻊ ﻳﺪﻩ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻓﻘﺎﻝ : ﻻ ﺑﺄﺱ ، ﺇﺫﺍ
ﻛﺎﻥ ﺗﺮﻙ ﻟﻜﻢ ﻫﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﺃﺣﺴﻦ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺑﻼﻍ ﻟﻜﻢ . ﻭﻻ ﻭﺍﻟﻠﻪ
ﻣﺎ ﺗﺮﻙ ﻟﻨﺎ ﺷﻴﺌﺎً ، ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺃﺳﻜﻦ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺑﺬﻟﻚ ) (Cool .
ﻭﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻔﻄﻨﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺳﺘﺮﺕ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺃﺑﺎﻫﺎ ، ﻭﺳﻜﻨﺖ
ﻗﻠﺐ ﺟﺪﻫﺎ ﺍﻟﻀﺮﻳﺮ ، ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺗﻜﺬﺏ ، ﻓﺈﻥ ﺃﺑﺎﻫﺎ ﻗﺪ ﺗﺮﻙ
ﻟﻬﻢ ﺣﻘﺎً ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺣﺠﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻮﻣﺘﻬﺎ ﻟﺘﻄﻤﺌﻦ ﻟﻬﺎ ﻧﻔﺲ
ﺍﻟﺸﻴﺦ! ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﺮﻙ ﻟﻬﻢ ﻣﻌﻬﺎ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎً ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻻ ﺗﺰﻟﺰﻟﻪ
ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﻭﻻ ﺗﺤﺮﻛﻪ ﺍﻟﻌﻮﺍﺻﻒ ﺍﻟﻬﻮﺝ ، ﻭﻻ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﻘﻠﺔ ﺃﻭ ﻛﺜﺮﺓ
ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﻝ ، ﻭﻭﺭﺛﻬﻢ ﻳﻘﻴﻨﺎً ﻭﺛﻘﻪ ﺑﻪ ﻻ ﺣﺪ ﻟﻬﺎ، ﻭﻏﺮﺱ ﻓﻴﻬﻢ
ﻫﻤﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﻌﺎﻟﻲ ﺍﻷﻣﻮﺭ ، ﻭﻻ ﺗﻠﺘﻔﺖ ﺇﻟﻰ ﺳﻔﺎﺳﻔﻬﺎ ،
ﻓﻀﺮﺏ ﺑﻬﻢ ﻟﻠﺒﻴﺖ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﺜﺎﻻً ﻋﺰ ﺃﻥ ﻳﺘﻜﺮﺭ ، ﻭﻗﻞ ﺃﻥ
ﻳﻮﺟﺪ ﻧﻈﻴﺮﻩ .
ﻟﻘﺪ ﺿﺮﺑﺖ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﻟﻨﺴﺎﺀ
ﻭﺑﻨﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﺜﻼً ﻫﻦ ﻣﻦ ﺃﻣﺲ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻗﺘﺪﺍﺀ ﺑﻪ،
ﻭﺍﻟﻨﺴﺞ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻮﺍﻟﻪ .
ﻭﻇﻠﺖ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﻣﻊ ﺇﺧﻮﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ ، ﻻ ﺗﺸﻜﻮ ﺿﻴﻘﺎً ، ﻭﻻ
ﺗﻈﻬﺮ ﺣﺎﺟﺔ ، ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺚ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ
ﺣﺎﺭﺛﺔ ﻭﺃﺑﺎ ﺭﺍﻓﻊ ﻣﻮﻻﻩ ، ﻭﺃﻋﻄﺎﻫﻤﺎ ﺑﻌﻴﺮﻳﻦ ﻭﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﺩﺭﻫﻢ
ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺔ ﻓﻘﺪﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻔﺎﻃﻤﺔ ﻭﺃﻡ ﻛﻠﺜﻮﻡ ﺍﺑﻨﺘﻴﻪ ، ﻭﺳﻮﺩﺓ
ﺑﻨﺖ ﺯﻣﻌﺔ ﺯﻭﺟﻪ، ﻭﺃﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ ، ﻭﺃﻡ ﺑﺮﻛﺔ ﺍﻟﻤﻜﻨﺎﺓ ﺑﺄﻡ
ﺃﻳﻤﻦ ، ﻭﺧﺮﺝ ﻣﻌﻬﻤﺎ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺑﻌﻴﺎﻝ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ،
ﻓﻴﻬﻢ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻭﺃﺳﻤﺎﺀ ، ﻓﻘﺪﻣﻮﺍ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ، ﻓﺄﻧﺰﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ
ﺣﺎﺭﺛﺔ ﺑﻦ ﺍﻟﻨﻌﻤﺎﻥ (9) .
7 ـ ﺃﺩ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﺋﺘﻤﻨﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻣﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ
ﻋﻨﺪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ:
ﻭﻓﻲ ﺇﻳﺪﺍﻉ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ ﻭﺩﺍﺋﻌﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ
ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻊ ﻣﺤﺎﺭﺑﺘﻬﻢ ﻟﻪ ﻭﺗﺼﻤﻴﻤﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻠﻪ ﺩﻟﻴﻞ
ﺑﺎﻫﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﺎﻗﻀﻬﻢ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻭﺍﻗﻌﻴﻦ ﻓﻴﻪ، ﻓﻔﻲ
ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻜﺬﺑﻮﻧﻪ ﻭﻳﺰﻋﻤﻮﻥ ﺃﻧﻪ ﺳﺎﺣﺮ ﺃﻭ ﻣﺠﻨﻮﻥ
ﺃﻭ ﻛﺬﺍﺏ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻳﺠﺪﻭﻥ ﻓﻴﻤﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺧﻴﺮ ﻣﻨﻪ
ﺃﻣﺎﻧﺔ ﻭﺻﺪﻗﺎً ، ﻓﻜﺎﻧﻮﺍ ﻻ ﻳﻀﻌﻮﻥ ﺣﻮﺍﺋﺠﻬﻢ ﻭﻻ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ
ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺨﺎﻓﻮﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺇﻻ ﻋﻨﺪﻩ ! ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻛﻔﺮﺍﻧﻬﻢ ﻟﻢ
ﻳﻜﻦ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺸﻚ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻓﻲ ﺻﺪﻗﻪ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻜﺒﺮﻫﻢ
ﻭﺍﺳﺘﻌﻼﺋﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎﺀ ﺑﻪ ، ﻭﺧﻮﻓﺎً ﻋﻠﻰ ﺯﻋﺎﻣﺘﻬﻢ
ﻭﻃﻐﻴﺎﻧﻬﻢ (10) ، ﻭﺻﺪﻕ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ : ﴿ ﻗﺪ ﻧﻌﻠﻢ ﺇﻧﻪ
ﻟﻴﺤﺰﻧﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻜﺬﺑﻮﻧﻚ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ
ﺑﺂﻳﺎﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺠﺤﺪﻭﻥ ﴾ ( ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ: ﺍﻵﻳﺔ 33 ) .
ﻭﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻌﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ
ﻋﻨﻪ ﺑﺘﺄﺩﻳﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺎﻧﺎﺕ ﻷﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ ، ﺭﻏﻢ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺽ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﻨﻔﻬﺎ
ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺏ ، ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺘﺠﻪ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺇﻻ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﺠﺎﺡ ﺧﻄﺔ
ﻫﺠﺮﺗﻪ ﻓﻘﻂ، ﺭﻏﻢ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ
ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻴﻨﺴﻰ ﺃﻭ ﻳﻨﺸﻐﻞ ﻋﻦ ﺭﺩ ﺍﻷﻣﺎﻧﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻠﻬﺎ، ﺣﺘﻰ
ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﺻﻌﺐ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺴﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ
ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻩ (11) .
8 ـ ﺍﻟﻴﺪ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﺪ ﺍﻟﺴﻔﻠﻰ :
ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻞ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﺮﻛﺐ
ﺍﻟﺮﺍﺣﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﺃﺧﺬﻫﺎ ﺑﺜﻤﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ
ﻭﺍﺳﺘﻘﺮ ﺍﻟﺜﻤﻦ ﺩﻳﻨﺎً ﺑﺬﻣﺘﻪ ، ﻭﻫﺬﺍ ﺩﺭﺱ ﻭﺍﺿﺢ ﺑﺄﻥ ﺣﻤﻠﺔ
ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻋﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻣﻦ
ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ ، ﻓﻬﻢ ﻣﺼﺪﺭ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ .
ﺇﻥ ﻳﺪﻫﻢ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻓﻠﻦ ﺗﻜﻦ ﺍﻟﺴﻔﻠﻰ ، ﻭﻫﻜﺬﺍ
ﻳﺼﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺃﻥ ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ﺑﺎﻟﺜﻤﻦ ﻭﺳﻠﻮﻛﻪ ﺫﻟﻚ ﻫﻮ
ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﺍﻟﺤﻘﺔ ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ ﻭﻣﺎ ﺃﺳﺎﻟﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﺮ ﺇﻥ
ﺃﺟﺮﻱ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﴾ ( ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ: ﺍﻵﻳﺔ 109 ) .
ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻳﺒﺸﺮﻭﻥ ﺑﻬﻤﺎ ﻣﺎ
ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﺗﻤﺘﺪ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪ ـ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ ـ ﻷﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﺘﻨﺎﻗﺾ
ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻗﺪ ﺗﻌﻮﺩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻥ ﻳﻌﻮﺍ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻷﻧﻬﺎ
ﺃﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ ، ﻭﻣﺎ ﺗﺄﺧﺮ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻭﺃﺻﺎﺑﻬﻢ ﻣﺎ
ﺃﺻﺎﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻮﺍﻥ ﺇﻻ ﻳﻮﻡ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ
ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺑﻬﺎ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ، ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ
ﻣﺮﺗﺒﺔ ، ﻭﻳﻮﻣﻬﺎ ﺗﺤﻮﻝ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺇﻟﻰ ﻋﻤﻞ ﻣﺎﺩﻱ ﻓﻘﺪ ﺍﻟﺮﻭﺡ
ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻮﺿﺎﺀﺓ ، ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻟﻸﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻣﻮﻇﻔﻮﻥ ،
ﻭﺃﺻﺒﺢ ﺍﻟﺨﻄﺒﺎﺀ ﻣﻮﻇﻔﻴﻦ ، ﻭﺃﺻﺒﺢ ﺍﻷﺋﻤﺔ ﻣﻮﻇﻔﻴﻦ .
ﺇﻥ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﺣﻨﺠﺮﺓ ﻭﺭﺍﺀﻫﺎ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻣﻦ
ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﺭﺿﺎﻩ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺒﻌﺚ ﻟﻴﺘﻠﻘﻰ
ﺩﺭﺍﻫﻢ ﻣﻌﺪﻭﺩﺓ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﺼﻮﺕ، ﻭﻗﺪﻳﻤﺎً ﻗﺎﻟﻮﺍ :
ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﻨﺎﺋﺤﺔ ﻛﺎﻟﺜﻜﻠﻰ ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﻞ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ
ﺟﺎﺩﺓ ﺍﻟﺼﻮﺍﺏ (12) .
9 ـ ﻋﻔﺔ ﺍﻟﺪﺍﻋﻴﺔ ﻋﻦ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ :
ﻟﻤﺎ ﻋﻔﺎ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻦ ﺳﺮﺍﻗﺔ ﻋﺮﺽ
ﻋﻠﻴﻪ ﺳﺮﺍﻗﺔ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﻓﻘﺎﻝ : (ﻭﻫﺬﻩ ﻛﻨﺎﻧﺘﻲ ﻓﺨﺬ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻬﻤﺎً
ﻓﺈﻧﻚ ﺳﺘﻤﺮ ﺑﺈﺑﻠﻲ ﻭﻏﻨﻤﻲ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻛﺬﺍ ﻭﻛﺬﺍ ﻓﺨﺬ ﻣﻨﻬﺎ
ﺣﺎﺟﺘﻚ ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ﻻ ﺣﺎﺟﺔ
ﻟﻲ ﻓﻴﻬﺎ ) (13) .
ﻓﺤﻴﻦ ﻳﺰﻫﺪ ﺍﻟﺪﻋﺎﺓ ﻓﻴﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺤﺒﻬﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ،
ﻭﺣﻴﻦ ﻳﻄﻤﻌﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻨﻔﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻨﻬﻢ ، ﻭﻫﺬﺍ
ﺩﺭﺱ ﺑﻠﻴﻎ ﻟﻠﺪﻋﺎﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ (14) .
10 ـ ﺟﻨﺪﻳﺔ ﻣﻨﻘﻄﻌﺔ ﺍﻟﻨﻈﻴﺮ :
ﺗﻈﻬﺮ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺟﻨﺪﻳﺔ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ
ﻭﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ، ﻓﺄﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﻬﺎﺟﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ
ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ( ﻻ ﺗﻌﺠﻞ ﻟﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻚ ﺻﺎﺣﺒﺎً ) ﻓﻘﺪ
ﺑﺪﺃ ﻓﻲ ﺍﻹﻋﺪﺍﺩ ﻭﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻟﻠﻬﺠﺮﺓ ( ﻓﺎﺑﺘﺎﻉ ﺭﺍﺣﻠﺘﻴﻦ
ﻭﺍﺣﺘﺒﺴﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺩﺍﺭﻩ ﻳﻌﻠﻔﻬﻤﺎ ﺇﻋﺪﺍﺩﺍً ﻟﺬﻟﻚ ) ﻭﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔ
ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻋﻠﻒ ﺭﺍﺣﻠﺘﻴﻦ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﻭﺭﻕ ﺍﻟﺴﻤﺮ ـ ﻭﻫﻮ
ﺍﻟﺨﺒﻂ ـ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﺷﻬﺮ ) . ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻳﺪﺭﻙ ﺑﺜﺎﻗﺐ ﺑﺼﺮﻩ ﺭﺿﻲ
ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﺑﻰ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻗﺎﺋﺪﺍً ، ﺃﻥ ﻟﺤﻈﺔ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ
ﺻﻌﺒﺔ ﻗﺪ ﺗﺄﺗﻲ ﻓﺠﺄﺓ ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻫﻴﺄ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ، ﻭﺭﺗﺐ
ﺗﻤﻮﻳﻨﻬﺎ ، ﻭﺳﺨﺮ ﺃﺳﺮﺗﻪ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ،
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺃﺧﺒﺮﻩ ﺃﻥ
ﺍﻟﻠﻪ ﻗﺪ ﺃﺫﻥ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻭﺍﻟﻬﺠﺮﺓ، ﺑﻜﺎ ﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺍﻟﻔﺮﺡ
ﻭﺗﻘﻮﻝ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺄﻥ : ﻓﻮﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ
ﺷﻌﺮﺕ ﻗﻂ ﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﻥ ﺃﺣﺪﺍً ﻳﺒﻜﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺡ ﺣﺘﻰ
ﺭﺃﻳﺖ ﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻳﺒﻜﻲ ﻳﻮﻣﺌﺬ , ﺇﻧﻬﺎ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻔﺮﺡ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ؛ ﺃﻥ
ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﻔﺮﺡ ﺇﻟﻰ ﺑﻜﺎﺀ ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ :
ﻭﺭﺩ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﺑﺄﻧـﻪ ﺳﻴﺰﻭﺭﻧﻲ
ﻓﺎﺳﺘﻌﺒﺮﺕ ﺃﺟﻔﺎﻧﻲ
ﻏﻠﺐ ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﻋﻠﻲ ﺣﺘﻰ ﺇﻧـﻨﻲ ﻣﻦ ﻓﺮﻁ ﻣﺎ ﻗﺪ
ﺳﺮﻧﻲ ﺃﺑﻜﺎﻧﻲ
ﻳﺎ ﻋﻴﻦ ﺻﺎﺭ ﺍﻟﺪﻣﻊ ﻋﻨﺪﻙ ﻋﺎﺩﺓ ﺗﺒﻜﻴﻦ ﻣﻦ ﻓﺮﺡ ﻭﻣﻦ
ﺃﺣﺰﺍﻧﻲ
ﻓﺎﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﺤﺒﺔ ،
ﺃﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻭﺣﺪﻩ ﺑﺮﻓﻘﺔ ﺭﺳﻮﻝ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﺑﻀﻌﺔ ﻋﺸﺮ
ﻳﻮﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﻘﺪﻡ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻟﺴﻴﺪﻩ ﻭﻗﺎﺋﺪﻩ
ﻭﺣﺒﻴﺒﻪ ﺍﻟﻤﺼﻄﻔﻰ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﺄﻱ ﻓﻮﺯ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﻔﻮﻕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻮﺯ : ﺃﻥ ﻳﺘﻔﺮﺩ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﻭﺣﺪﻩ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ
ﺃﻫﻞ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺼﺤﺐ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺑﺮﻓﻘﺔ ﺳﻴﺪ ﺍﻟﺨﻠﻖ
ﻭﺻﺤﺒﺘﻪ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﺓ (15) ، ﻭﺗﻈﻬﺮ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺤﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ
ﻓﻲ ﺧﻮﻑ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﺭ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻫﻤﺎ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻮﻥ
ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﻣﺜﻼً ﻟﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﻨﺪﻱ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ
ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﻣﻊ ﻗﺎﺋﺪﻩ ﺍﻷﻣﻴﻦ ﺣﻴﻦ ﻳﺤﺪﻕ ﺑﻪ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﻣﻦ ﺧﻮﻑ
ﻭﺇﺷﻔﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻪ؛ ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺳﺎﻋﺘﺌﺬ ﺑﺎﻟﺬﻱ ﻳﺨﺸﻰ
ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﺭﺍﻓﻖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ
ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮﺓ ﻭﻫﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ
ﺃﻗﻞ ﺟﺰﺍﺋﻪ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﺇﻥ ﺃﻣﺴﻜﻪ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻮﻥ ﻣﻊ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ
ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺨﺸﻰ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ
ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻭﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺇﻥ
ﻭﻗﻊ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ
(16) ، ﻭﻳﻈﻬﺮ ﺍﻟﺤﺲ ﺍﻷﻣﻨﻲ ﺍﻟﺮﻓﻴﻊ ﻟﻠﺼﺪﻳﻖ ﻓﻲ ﻫﺠﺮﺗﻪ ﻣﻊ
ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻗﻒ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻨﻬﺎ؛ ﺣﻴﻦ
ﺃﺟﺎﺏ ﺍﻟﺴﺎﺋﻞ : ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻚ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﻫﺬﺍ
ﻫﺎﺩ ﻳﻬﺪﻳﻨﻲ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ، ﻓﻈﻦ ﺍﻟﺴﺎﺋﻞ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﻳﻘﺼﺪ
ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﺼﺪ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺨﻴﺮ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ
ﺣﺴﻦ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻟﻠﻤﻌﺎﺭﻳﺾ ﻓﺮﺍﺭﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﺝ ﺃﻭ
ﺍﻟﻜﺬﺏ (17) ﻭﻓﻲ ﺇﺟﺎﺑﺘﻪ ﻟﻠﺴﺎﺋﻞ ﺗﻮﺭﻳﺔ ﻭﺗﻨﻔﻴﺬ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ
ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﻘﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ،
ﻷﻥ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺮﺍً ﻭﻗﺪ ﺃﻗﺮﻩ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ (18) ، ﻭﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ
ﻣﺜﺎﻝ ﻟﻠﺠﻨﺪﻱ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﺍﻟﻤﺨﻠﺺ ﻟﺪﻋﻮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻡ ، ﺣﻴﺚ ﻓﺪﻯ
ﻗﺎﺋﺪﻩ ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ ، ﻓﻔﻲ ﺳﻼﻣﺔ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺳﻼﻣﺔ ﻟﻠﺪﻋﻮﺓ، ﻭﻓﻲ
ﻫﻼﻛﻪ ﺧﺬﻻﻧﻬﺎ ﻭﻭﻫﻨﻬﺎ ، ﻓﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻟﻴﻠﺔ
ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻣﻦ ﺑﻴﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺍﺵ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ
، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺘﻤﻞ ﺃﻥ ﺗﻬﻮﻱ ﺳﻴﻮﻑ ﻓﺘﻴﺎﻥ ﻗﺮﻳﺶ ﻋﻠﻰ
ﺭﺃﺱ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻠﻴﺎً ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﺎﻝ
ﺑﺬﻟﻚ , ﻓﺤﺴﺒﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻢ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺳﻠﻢ ﻧﺒﻲ ﺍﻷﻣﺔ ﻭﻗﺎﺋﺪ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ (19) .
11 ـ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺮﻓﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ :
ﻳﻈﻬﺮ ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ
ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ، ﻛﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ
ﺣﺐ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﺓ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﺍﻟﻤﺼﻄﻔﻰ
ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻛﺎﻥ ﻧﺎﺑﻌﺎً ﻣﻦ
ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻭﺑﺈﺧﻼﺹ ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﺐ ﻧﻔﺎﻕ ﺃﻭ ﻧﺎﺑﻌﺎً ﻣﻦ ﻣﺼﻠﺤﺔ
ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ، ﺃﻭ ﺭﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﺃﻭ ﺭﻫﺒﺔ ﻟﻤﻜﺮﻭﻩ ﻗﺪ ﻳﻘﻊ ، ﻭﻣﻦ
ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺐ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺻﻔﺎﺗﻪ
ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪﺓ ، ﻓﻬﻮ ﻳﺴﻬﺮ ﻟﻴﻨﺎﻣﻮﺍ ، ﻭﻳﺘﻌﺐ ﻟﻴﺴﺘﺮﻳﺤﻮﺍ،
ﻭﻳﺠﻮﻉ ﻟﻴﺸﺒﻌﻮﺍ ، ﻛﺎﻥ ﻳﻔﺮﺡ ﻟﻔﺮﺣﻬﻢ ﻭﻳﺤﺰﻥ ﻟﺤﺰﻧﻬﻢ ، ﻓﻤﻦ
ﺳﻠﻚ ﺳﻨﻦ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻊ ﺻﺤﺎﺑﺘﻪ ، ﻓﻲ
ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ، ﻭﺷﺎﺭﻙ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺃﻓﺮﺍﺣﻬﻢ
ﻭﺃﺗﺮﺍﺣﻬﻢ ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻤﻠﻪ ﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺻﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺐ ﺇﻥ
ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻋﻤﺎﺀ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺎﺩﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﻦ ﻓﻲ ﺃﻣﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ
(20) .
ﻭﺻﺪﻕ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻠﻴﺒﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎﻝ :
ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺣﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﻃﻦ ﻋﺒﺪﻩ ﻇﻬﺮﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻮﺍﻫﺐ
ﺍﻟﻔﺘﺎﺡ
ﻭﺇﺫﺍ ﺻﻔﺖ ﻟﻠﻪ ﻧﻴﺔ ﻣﺼﻠﺢ ﻣﺎﻝ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻋﻠﻴﻪ
ﺑﺎﻷﺭﻭﺍﺡ (21)
ﺇﻥ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﺩ
ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ
ﻗﺒﻞ ﻏﻴﺮﻫﺎ ، ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﺇﺣﺴﺎﻥ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﺣﺴﺎﻥ
ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﺒﺬﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ
، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺭﺣﻴﻤﺎً ﻭﺷﻔﻮﻗﺎً ﺑﺠﻨﻮﺩﻩ
ﻭﺃﺗﺒﺎﻋﻪ ، ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻬﺎﺟﺮ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻫﺎﺟﺮ ﻣﻌﻈﻢ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ،
ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﺇﻻ ﺍﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻔﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻔﺘﻮﻧﻴﻦ ﻭﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻣﻬﻤﺎﺕ
ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻬﺠﺮﺓ (22) .
12 ـ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻓﻲ ﺃﺣﻠﻚ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ :
ﺃ ـ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺃﺳﻠﻢ ﺑﺮﻳﺪﺓ ﺍﻷﺳﻠﻤﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ
ﺭﻛﺐ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻪ :
ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻐﻠﻐﻠﺖ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻓﻲ ﺷﻐﺎﻑ ﻗﻠﺒﻪ ﻻ
ﻳﻔﺘﺮ ﻟﺤﻈﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻋﻦ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺩﻳﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،
ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ، ﻭﺍﻷﻣﻦ
ﻣﻔﻘﻮﺩ ، ﺑﻞ ﻳﻨﺘﻬﺰ ﻛﻞ ﻓﺮﺻﺔ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﺘﺒﻠﻴﻎ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ
، ﻫﺬﺍ ﻧﺒﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺯﺝ ﺑﻪ ﻓﻲ
ﺍﻟﺴﺠﻦ ﻇﻠﻤﺎً ، ﻭﺍﺟﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﺴﺠﻨﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻦ، ﻓﻠﻢ ﻳﻨﺪﺏ
ﺣﻈﻪ ، ﻭﻟﻢ ﺗﺸﻐﻠﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﻋﻦ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ
ﻭﺗﺒﻠﻴﻐﻬﺎ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻭﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﻋﺒﺎﺩﺓ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﺨﻀﻮﻉ
ﻷﻱ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ﴿ ﻗﺎﻝ ﻻ ﻳﺄﺗﻴﻜﻤﺎ ﻃﻌﺎﻡ ﺗﺮﺯﻗﺎﻧﻪ ﺇﻻ
ﻧﺒﺄﺗﻜﻤﺎ ﺑﺘﺄﻭﻳﻠﻪ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻴﻜﻤﺎ ﺫﻟﻜﻤﺎ ﻣﻤﺎ ﻋﻠﻤﻨﻲ ﺭﺑﻲ ﺇﻧﻲ
ﺗﺮﻛﺖ ﻣﻠﺔ ﻗﻮﻡ ﻻ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﻫﻢ ﺑﺎﻵﺧﺮﺓ ﻫﻢ ﻛﺎﻓﺮﻭﻥ
ﻭﺍﺗﺒﻌﺖ ﻣﻠﺔ ﺁﺑﺎﺋﻲ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻭﺇﺳﺤﺎﻕ ﻭﻳﻌﻘﻮﺏ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ
ﻧﺸﺮﻙ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻓﻀﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ
ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻻ ﻳﺸﻜﺮﻭﻥ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﺀﺃﺭﺑﺎﺏ
ﻣﺘﻔﺮﻗﻮﻥ ﺧﻴﺮ ﺃﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍﻟﻘﻬﺎﺭ ﻣﺎ ﺗﻌﺒﺪﻭﻥ ﻣﻦ ﺩﻭﻧﻪ ﺇﻻ
ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺳﻤﻴﺘﻤﻮﻫﺎ ﺃﻧﺘﻢ ﻭﺀﺍﺑﺎﺅﻛﻢ ﻣﺎ ﺃﻧﺰﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎﻥ
ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺇﻻ ﻟﻠﻪ ﺃﻣﺮ ﺃﻻ ﺗﻌﺒﺪﻭﺍ ﺇﻻ ﺇﻳﺎﻩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ
ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﴾ ( ﺳﻮﺭﺓ ﻳﻮﺳﻒ :
ﺍﻵﻳﺎﺕ 40-37 ) .
ﻭﺳﻮﺭﺓ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻣﻜﻴﺔ ، ﻭﻗﺪ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ
ﺭﺳﻮﻟﻪ ﻣﺤﻤﺪﺍً ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﻘﺘﺪﻱ ﺑﺎﻷﻧﺒﻴﺎﺀ
ﻭﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺩﻋﻮﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺫﻟﻚ ﻧﺠﺪﻩ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﻫﺠﺮﺗﻪ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻣﻄﺎﺭﺩﺍً ﻣﻦ
ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ ﻗﺪ ﺃﻫﺪﺭﻭﺍ ﺩﻣﻪ ﻭﺃﻏﺮﻭﺍ ﺍﻟﻤﺠﺮﻣﻴﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻷﻣﻮﺍﻝ
ﺍﻟﻮﻓﻴﺮﺓ ﻟﻴﺄﺗﻮﺍ ﺑﺮﺃﺳﻪ ﺣﻴﺎً ﺃﻭ ﻣﻴﺘﺎً ، ﻭﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻓﻠﻢ ﻳﻨﺲ
ﻣﻬﻤﺘﻪ ﻭﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ، ﻓﻘﺪ ﻟﻘﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ
ﺭﺟﻼً ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺑﺮﻳﺪﺓ ﺑﻦ ﺍﻟﺤﺼﻴﺐ ﺍﻷﺳﻠﻤﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ
ﻓﻲ ﺭﻛﺐ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻪ ، ﻓﺪﻋﺎﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﺂﻣﻨﻮﺍ ﻭﺃﺳﻠﻤﻮﺍ
(23) .
ﻭﺫﻛﺮ ﺍﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﺍﻟﻌﺴﻘﻼﻧﻲ ـ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ـ : ( ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ
ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﻫﺠﺮﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻟﻘﻲ
ﺑﺮﻳﺪﺓ ﺑﻦ ﺍﻟﺤﺼﻴﺐ ﺑﻦ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺍﻟﺤﺎﺭﺙ ﺍﻷﺳﻠﻤﻲ، ﻓﺪﻋﺎﻩ
ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻗﺪ ﻏﺰﺍ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ
ﺳﺖ ﻋﺸﺮﺓ (24) ﻏﺰﻭﺓ ﻭﺃﺻﺒﺢ ﺑﺮﻳﺪﺓ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻋﺎﺓ
ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﻓﺘﺢ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻘﻮﻣﻪ ﺃﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ ﺃﺑﻮﺍﺏ
ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ * ، ﻭﺍﻧﺪﻓﻌﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﻓﺎﺯﻭﺍ ﺑﺎﻟﻮﺳﺎﻡ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ
ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺘﻌﻠﻢ ﻣﻨﻪ ﻣﻨﻬﺠﺎً ﻓﺮﻳﺪﺍً ﻓﻲ ﻓﻘﻪ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ (25) ﻗﺎﻝ
ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ( ﺃﺳﻠﻢ ﺳﺎﻟﻤﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﻏﻔﺎﺭ ﻏﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ
ﻟﻬﺎ ، ﺃﻣﺎ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﻗﻠﺘﻪ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﺎﻝ ) (26) .
ﺏ ـ ﻭﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﺃﺳﻠﻢ ﻟﺼﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺭﺳﻮﻝ
ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ :
ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ
ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻟﺼﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺳﻠﻢ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻬﻤﺎ ﺍﻟﻤﻬﺎﻧﺎﻥ ، ﻓﻘﺼﺪﻫﻢ ﺻﻠﻰ
ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻋﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﺄﺳﻠﻤﺎ ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻬﻤﺎ
ﻋﻦ ﺃﺳﻤﺎﺋﻬﻤﺎ ﻓﻘﺎﻻ ﻧﺤﻦ ﺍﻟﻤﻬﺎﻧﺎﻥ ، ﻓﻘﺎﻝ : ﺑﻞ ﺍﻟﻤﻜﺮﻣﺎﻥ ،
ﻭﺃﻣﺮﻫﻤﺎ ﺃﻥ ﻳﻘﺪﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ (27) ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﺒﺮ
ﻳﻈﻬﺮ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺎﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﻴﺚ
ﺍﻏﺘﻨﻢ ﻓﺮﺻﺔ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻭﺩﻋﺎ ﺍﻟﻠﺼﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ ، ﻓﺄﺳﻠﻤﺎ
، ﻭﻓﻲ ﺇﺳﻼﻡ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻠﺼﻴﻦ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺃﻟﻔﺎﻩ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﻄﺶ
ﻭﺍﻟﺴﻠﺐ ﻭﺍﻟﻨﻬﺐ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻋﺔ ﺇﻗﺒﺎﻝ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻋﻠﻰ ﺍﺗﺒﺎﻉ
ﺍﻟﺤﻖ ﺇﺫﺍ ﻭﺟﺪ ﻣﻦ ﻳﻤﺜﻠﻪ ﺑﺼﺪﻕ ﻭﺇﺧﻼﺹ ، ﻭﺗﺠﺮﺩﺕ ﻧﻔﺲ
ﺍﻟﺴﺎﻣﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﺍﻟﻤﻨﺤﺮﻑ ، ﻭﻓﻲ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ
ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﺳﻤﻲ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻠﺼﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﺎﻧﻴﻦ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻤﻜﺮﻣﻴﻦ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺴﻤﻌﺔ
ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻣﺮﺍﻋﺎﺗﻪ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻢ ﺇﻛﺮﺍﻣﺎً ﻟﻬﻢ ﻭﺭﻓﻌﺎً ﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺎﺗﻬﻢ
.
ﻭﺇﻥ ﻓﻲ ﺭﻓﻊ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺗﻘﻮﻳﺔ ﻟﺸﺨﺼﻴﺘﻪ ﻭﺩﻓﻌﺎً
ﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻣﺎﻡ ﻟﻴﺒﺬﻝ ﻛﻞ ﻃﺎﻗﺘﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﻔﻼﺡ
(28) .
13 ـ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺇﺯﺍﻟﺔ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ
ﻭﺍﻟﻀﻐﺎﺋﻦ :
ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺍﻟﺴﻠﻴﻤﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ
ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻟﻬﻢ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﺇﺯﺍﻟﺔ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺍﺕ ﻭﺍﻟﻀﻐﺎﺋﻦ ،
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ، ﻭﻫﻮ ﺩﻭﺭ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻐﻴﺮ
ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺃﻥ ﺗﻘﺪﻡ ﺑﻪ ﻭﻫﺎ ﻗﺪ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﻛﻴﻒ ﺟﻤﻌﺖ
ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻭﺱ ﻭﺍﻟﺨﺰﺭﺝ ، ﻭﺃﺯﺍﻟﺖ ﺁﺛﺎﺭ
ﻣﻌﺎﺭﻙ ﺍﺳﺘﻤﺮﺕ ﻋﻘﻮﺩﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ، ﻭﺃﻏﻠﻘﺖ ﻣﻠﻒ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ
ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺱ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ ، ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻠﻮﺍ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﺑﺼﺪﻭﺭ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ
، ﻭﺗﺂﺧﻮﺍ ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ ﻧﺎﺩﺭﺓ ، ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﻣﺜﺎﺭ ﺍﻟﺪﻫﺸﺔ
ﻭﻣﻀﺮﺏ ﺍﻟﻤﺜﻞ ، ﻭﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻜﺮﺓ ﺃﻭ ﺷﻌﺎﺭ ﺁﺧﺮ
ﻓﻌﻞ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺼﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ .
ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﺪﺭﻙ ﺍﻟﺴﺮ ﻓﻲ ﺳﻌﻲ ﺍﻷﻋﺪﺍﺀ ﺍﻟﺪﺍﺋﺐ ﺇﻟﻰ
ﺇﺿﻌﺎﻑ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭﺗﻘﻠﻴﻞ ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻮﺱ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ
، ﻭﺍﻧﺪﻓﺎﻋﻬﻢ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻧﺤﻮ ﺗﺬﻛﻴﺔ ﺍﻟﻨﻌﺮﺍﺕ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ
ﻭﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ، ﻭﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ ﻛﺒﺪﻳﻞ ﻟﻠﻌﻘﻴﺪﺓ
ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ (29) .
14 ـ ﺍﻟﺤﻔﺎﻭﺓ ﺑﺎﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺣﺎﻣﻠﻬﺎ :
ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﺣﺔ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺳﻜﺎﻥ ﻳﺜﺮﺏ ﻣﻦ ﺃﻧﺼﺎﺭ
ﻭﻣﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﺑﻘﺪﻭﻡ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻭﺻﻮﻟﻪ
ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺳﺎﻟﻤﺎً ﻓﺮﺣﺔ ﺃﺧﺮﺟﺖ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻣﻦ ﺑﻴﻮﺗﻬﻦ ﻭﺍﻟﻮﻻﺋﺪ،
ﻭﺣﻤﻠﺖ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﻙ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻮﻗﻒ ﻳﻬﻮﺩ
ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻙ ﻟﺴﻜﺎﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺮﺣﺔ ﻇﺎﻫﺮﺍً ،
ﻭﺍﻟﻤﺘﺄﻟﻢ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ ﺍﻟﺰﻋﺎﻣﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺑﺎﻃﻨﺎً ، ﺃﻣﺎ ﻓﺮﺣﺔ
ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻠﻘﺎﺀ ﺭﺳﻮﻟﻬﻢ ، ﻓﻼ ﻋﺠﺐ ﻓﻴﻬﺎ ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﻘﺬﻫﻢ
ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻮﺭ ، ﺑﺈﺫﻥ ﺭﺑﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺻﺮﺍﻁ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ
ﺍﻟﺤﻤﻴﺪ ، ﻭﺃﻣﺎ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻓﻼ ﻏﺮﺍﺑﺔ ﻓﻴﻪ ، ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ
ﻋﺮﻓﻮﺍ ﺑﺎﻟﻤﻠﻖ ﻭﺍﻟﻨﻔﺎﻕ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻘﺪﻭﺍ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻴﻪ ،
ﻭﺑﺎﻟﻐﻴﻆ ﻭﺍﻟﺤﻘﺪ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﺴﻠﺒﻬﻢ ﺯﻋﺎﻣﺘﻬﻢ ﻣﻦ
ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ، ﻭﻳﺤﻮﻝ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺑﻴﻦ ﺳﻠﺐ ﺁﻣﺎﻟﻬﻢ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻘﺮﻭﺽ ،
ﻭﺳﻔﻚ ﺩﻣﺎﺋﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻨﺼﺢ ﻭﺍﻟﻤﺸﻮﺭﺓ ، ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ
ﻳﺤﻘﺪﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺨﻠﺺ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻣﻦ ﺳﻴﻄﺮﺗﻬﻢ ،
ﻭﻳﻨﺘﻬﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺱ ﻭﺍﻟﻤﺆﺍﻣﺮﺍﺕ ، ﺛﻢ ﺇﻟﻰ
ﺍﻻﻏﺘﻴﺎﻝ ﺇﻥ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﻮﺍ ، ﺫﻟﻚ ﺩﻳﻨﻬﻢ ، ﻭﺗﻠﻚ ﺟﺒﻠﺘﻬﻢ (30) .
ﻭﻳﺴﺘﻔﺎﺩ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻭﺍﻷﻧﺼﺎﺭ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ
ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﺍﻷﻣﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ،
ﻋﻨﺪ ﻣﻘﺪﻣﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﻔﺎﻭﺓ ﻭﺍﻹﻛﺮﺍﻡ ، ﻓﻘﺪ ﺣﺪﺙ ﺫﻟﻚ ﻟﺮﺳﻮﻝ
ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻭﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻛﺮﺍﻡ ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻔﺎﻭﺓ
ﻧﺎﺑﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﺐ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﺑﺨﻼﻑ ﻣﺎ ﻧﺮﺍﻩ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻝ
ﺍﻟﺰﻋﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ، ﻭﻳﺴﺘﻔﺎﺩ ﻛﺬﻟﻚ
ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺇﻛﺮﺍﻡ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺸﺮﻑ ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ
ﻛﻞ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺗﺤﺮﺹ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﻀﻴﻒ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺳﻠﻢ ، ﻭﺗﻌﺮﺽ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺭﺟﺎﻟﻪ ﺣﺮﺍﺳﺎً ﻟﻪ ، ﻭﻳﺆﺧﺬ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ
ﺇﻛﺮﺍﻡ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ، ﻭﺍﺣﺘﺮﺍﻣﻬﻢ ﻭﺧﺪﻣﺘﻬﻢ (31) .
15 ـ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﺪﻭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ :
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻧﺖ
ﻋﻠﻴﻪ ، ﻭﺳﺎﺭﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻠﻜﻪ ﻛﻞ ﻣﻬﺎﺟﺮ ، ﺣﺘﻰ
ﺗﻮﺟﺪ ﺍﻟﻘﺪﻭﺓ ، ﻭﺗﺘﺤﻘﻖ ﺍﻷﺳﻮﺓ ، ﻭﻳﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻋﻠﻰ
ﻧﻬﺞ ﻣﺄﻟﻮﻑ ، ﻭﺳﺒﻴﻞ ﻣﻌﺮﻭﻑ ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ، ﻓﻠﻢ ﻳﺮﺳﻞ ﺍﻟﻠﻪ ـ ﻋﺰ
ﻭﺟﻞ ـ ﻟﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺍﻟﺒﺮﺍﻕ ﻟﻴﻬﺎﺟﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﻤﺎ
ﺣﺪﺙ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻹﺳﺮﺍﺀ ، ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻫﺠﺮﺗﻪ ﺃﺣﻮﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺮﺍﻕ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻭﻗﺖ
ﺁﺧﺮ؛ ﻷﻥ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﻳﺘﺮﺑﺼﻮﻥ ﺑﻪ ﻫﻨﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺮﺑﺺ ﻓﻲ
ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻹﺳﺮﺍﺀ ، ﻭﻟﻮ ﻇﻔﺮﻭﺍ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻫﺠﺮﺗﻪ ﻟﺸﻔﻮﺍ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻣﻨﻪ
ﺑﻘﺘﻠﻪ ، ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ـ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ ـ ﺃﻥ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻛﺎﻧﺖ
ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﻭﺳﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺃﻫﻢ
ﻭﺳﺎﺋﻞ ﻧﺸﺮﻫﺎ ﻭﺗﺒﻠﻴﻐﻬﺎ ، ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ
ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻜﻠﻔﻴﻦ ﺑﻬﺎ ،
ﺣﻴﻦ ﻗﻄﻊ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ (32) ، ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻭﻏﻴﺮ
ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ﴿ ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ
ﺁﻣﻨﻮﺍ ﻭﻫﺎﺟﺮﻭﺍ ﻭﺟﺎﻫﺪﻭﺍ ﺑﺄﻣﻮﺍﻟﻬﻢ ﻭﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻪ
ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺀﺍﻭﻭﺍ ﻭﻧﺼﺮﻭﺍ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﺑﻌﺾ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ
ﺁﻣﻨﻮﺍ ﻭﻟﻢ ﻳﻬﺎﺟﺮﻭﺍ ﻣﺎ ﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﻭﻻﻳﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﺣﺘﻰ
ﻳﻬﺎﺟﺮﻭﺍ ﻭﺇﻥ ﺍﺳﺘﻨﺼﺮﻭﻛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻌﻠﻴﻜﻢ ﺍﻟﻨﺼﺮ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ
ﻗﻮﻡ ﺑﻴﻨﻜﻢ ﻭﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻴﺜﺎﻕ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺑﻤﺎ ﺗﻌﻤﻠﻮﻥ ﺑﺼﻴﺮ ﴾ ( ﺳﻮﺭﺓ
ﺍﻷﻧﻔﺎﻝ : ﺍﻵﻳﺔ 72 ) .
ﺃﻣﺎ ﺭﺣﻠﺔ ﺍﻹﺳﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﻛﺎﻧﺖ ﺭﺣﻠﺔ ﺗﺸﺮﻳﻒ ﻭﺗﻘﺪﻳﺮ
، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺇﻛﺮﺍﻣﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ـ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ـ ﻟﻨﺒﻴﻪ ﻟﻴﻄﻠﻌﻪ ﻋﻠﻰ
ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻭﻳﺮﻳﻪ ﻣﻦ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ، ﻓﺎﻟﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻬﺎ ﺇﻟﻰ
ﺁﺧﺮﻫﺎ ﺧﻮﺍﺭﻕ ﻭﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪ ﻟﻠﻐﻴﺒﻴﺎﺕ، ﻓﻨﺎﺳﺐ ﺃﻥ
ﺗﻜﻮﻥ ﻭﺳﻴﻠﺘﻬﺎ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﻟﻐﺎﻳﺘﻬﺎ .
ﺯﺩ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺭﺣﻠﺔ ﺍﻹﺳﺮﺍﺀ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ
ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻭﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻥ ﻳﺘﻄﻠﻊ ﻟﻤﺜﻠﻬﺎ ،
ﻭﻟﺴﻨﺎ ﻣﻄﺎﻟﺒﻴﻦ ﺑﺎﻻﻗﺘﺪﺍﺀ ﺑﻪ ﻓﻴﻬﺎ ، ﻭﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺣﺼﻮﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﻮ ﺃﻧﺴﺐ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﻟﺤﺪﻭﺛﻬﺎ (33) .
16 ـ ﻭﺿﻮﺡ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﺘﺪﺭﺝ :
ﺣﻴﺚ ﻧﻼﺣﻆ : ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﺎﺑﻞ ﻣﻊ ﻃﻼﺋﻊ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﺳﻮﻯ
ﺗﺮﻏﻴﺒﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺗﻼﻭﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ، ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎﺀﻭﺍ ﻓﻲ
ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ ﺑﺎﻳﻌﻬﻢ ﺑﻴﻌﺔ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻷﺧﻼﻕ
ﻭﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ، ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎﺀﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻘﺒﺔ
ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﻨﺼﺮ ﻭﺍﻹﻳﻮﺍﺀ (34) .
ﻭﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﻤﻼﺣﻈﺔ ﺃﻥ ﺑﻴﻌﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻟﻢ ﺗﺘﻢ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ
ﻋﺎﻣﻴﻦ ﻛﺎﻣﻠﻴﻦ ، ﺃﻱ ﺑﻌﺪ ﺗﺄﻫﻴﻞ ﻭﺇﻋﺪﺍﺩ ﺍﺳﺘﻤﺮ ﻋﺎﻣﻴﻦ ﻛﺎﻣﻠﻴﻦ
، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﻢ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﺪﺭﺝ ﻳﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ
ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻬﺠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﻳﻮﻡ (35) .
ﺇﻧﻪ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﺪﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﻧﺒﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﻪ ، ﻓﻔﻲ
ﺍﻟﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺑﺎﻳﻌﻪ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ ﺍﻟﺠﺪﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ
ﻋﻘﻴﺪﺓ ﻭﻣﻨﻬﺎﺟﺎً ﻭﺗﺮﺑﻴﺔ ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻳﻌﻪ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ
ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ، ﻭﺍﺣﺘﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﺬﻱ
ﻧﻀﺠﺖ ﺛﻤﺎﺭﻩ، ﻭﺍﺷﺘﺪﺕ ﻗﻮﺍﻋﺪﻩ ﻗﻮﺓ ﻭﺻﻼﺑﺔ .
ﺇﻥ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺒﻴﻌﺘﻴﻦ ﺃﻣﺮﺍﻥ ﻣﺘﻜﺎﻣﻼﻥ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ
ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻟﻠﺪﻋﻮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﺇﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻷﻭﻝ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻀﻤﻮﻥ ،
ﻭﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﻫﻮ ﺑﻴﻌﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﻴﺎﺝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻤﻲ ﺫﻟﻚ
ﺍﻟﻤﻀﻤﻮﻥ ، ﻧﻌﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻌﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺑﻌﺪ ﻋﺎﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺇﻋﻼﻥ
ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻮﺭ ﺇﻋﻼﻧﻬﻢ .
ﺑﻌﺪ ﻋﺎﻣﻴﻦ ﺇﺫ ﺗﻢ ﺇﻋﺪﺍﺩﻫﻢ ﺣﺘﻰ ﻏﺪﻭﺍ ﻣﻮﻗﻊ ﺛﻘﺔ ﻭﺃﻫﻼً
ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺒﻴﻌﺔ ، ﻭﻳﻼﺣﻆ ﺃﻥ ﺑﻴﻌﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﺃﻥ ﺗﻤﺖ
ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻊ ﺃﻱ ﻣﺴﻠﻢ ، ﺇﻧﻤﺎ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺟﺪﺕ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ
ﻓﻲ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ ﻭﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﻴﻤﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﻘﻞ
ﺍﻟﻤﻼﺋﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﺤﺎﺭﺑﻮﻥ ، ﻷﻥ ﻣﻜﺔ ﻟﻮﺿﻌﻬﺎ ﻋﻨﺪﺋﺬ
ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻠﺤﺮﺏ (36) .
ﻭﻗﺪ ﺍﻗﺘﻀﺖ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻌﺒﺎﺩﻩ ( ﺃﻥ ﻻ ﻳﺤﻤﻠﻬﻢ ﻭﺍﺟﺐ
ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ، ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻮﺟﺪ ﻟﻬﻢ ﺩﺍﺭ ﺍﻹﺳﻼﻡ ، ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻬﻢ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ
ﻣﻌﻘﻞ ﻳﺄﻭﻭﻥ ﺇﻟﻴﻪ ، ﻭﻳﻠﻮﺫﻭﻥ ﺑﻪ ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻤﻨﻮﺭﺓ
ﺃﻭﻝ ﺩﺍﺭ ﺍﻹﺳﻼﻡ (37) .
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ
ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺍﻟﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ
ﻭﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ، ﻭﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ : ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ ، ﻭﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ،
ﻭﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ، ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻊ ﺟﻤﺎﻋﻲ ﻣﻤﻜﻦ
ﻭﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺘﺘﻢ ﻟﻮﻻ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﺪﺓ ﻟﻺﻳﻮﺍﺀ
ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ﴿ ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﻭﻫﺎﺟﺮﻭﺍ ﻭﺟﺎﻫﺪﻭﺍ
ﺑﺄﻣﻮﺍﻟﻬﻢ ﻭﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺁﻭﻭﺍ ﻭﻧﺼﺮﻭﺍ
ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﺑﻌﺾ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﻭﻟﻢ ﻳﻬﺎﺟﺮﻭﺍ ﻣﺎ
ﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﻭﻻﻳﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﺣﺘﻰ ﻳﻬﺎﺟﺮﻭﺍ ﻭﺇﻥ ﺍﺳﺘﻨﺼﺮﻭﻛﻢ
ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻌﻠﻴﻜﻢ ﺍﻟﻨﺼﺮ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻡ ﺑﻴﻨﻜﻢ ﻭﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻴﺜﺎﻕ
ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺑﻤﺎ ﺗﻌﻤﻠﻮﻥ ﺑﺼﻴﺮ﴾ ( ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻷﻧﻔﺎﻝ : ﺍﻵﻳﺔ 72 ) ،
ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ﴿ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻭﻫﺎﺟﺮﻭﺍ ﻭﺟﺎﻫﺪﻭﺍ
ﻣﻌﻜﻢ ﻓﺄﻭﻟﺌﻚ ﻣﻨﻜﻢ ﻭﺃﻭﻟﻮﺍ ﺍﻷﺭﺣﺎﻡ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﺒﻌﺾ ﻓﻲ
ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻋﻠﻴﻢ ﴾ ( ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻷﻧﻔﺎﻝ 75: ) .
ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻌﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻤﻬﻴﺪ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻟﻬﺠﺮﺓ
ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ، ﻭﺑﺬﻟﻚ
ﻭﺟﺪ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻣﻮﻃﻨﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﻪ ﺩﻋﺎﺓ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ
ﻭﺍﻟﻤﻮﻋﻈﺔ (ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ) ﻭﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﻪ ﺟﺤﺎﻓﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﺓ
ﺃﻭﻝ ﻣﺮﺓ ، ﻭﻗﺎﻣﺖ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﻟﺸﺮﻉ ﺍﻟﻠﻪ
(38) .
17 ـ ﺍﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ :
ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺠﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻋﻦ
ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺍﻷﻣﻴﻦ ﺗﻀﺤﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻋﺒﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻘﻮﻟﻪ : ( ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺇﻧﻚ ﻟﺨﻴﺮ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﺣﺐ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻠﻪ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﻟﻮﻻ ﺃﻧﻲ ﺃﺧﺮﺟﺖ ﻣﻨﻚ ﻣﺎ ﺧﺮﺟﺖ ) (39) .
ﻭﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ : ﻟﻤﺎ ﻗﺪﻡ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ
ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻗﺪﻣﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﺃﻭﺑﺄ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻠﻪ
ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻤﻰ ، ﻭﻛﺎﻥ ﻭﺍﺩﻳﻬﺎ ﻳﺠﺮﻱ ﻧﺠﻼً ـ ﻳﻌﻨﻲ ﻣﺎﺀ ﺁﺟﻨﺎً ـ
ﻓﺄﺻﺎﺏ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻼﺀ ﻭﺳﻘﻢ ﻭﺻﺮﻑ ﺍﻟﻠﻪ ﺫﻟﻚ ﻋﻦ ﻧﺒﻴﻪ ،
ﻗﺎﻝ : ﻓﻜﺎﻥ ﺃﺑﻮﺑﻜﺮ، ﻭﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻓﻬﻴﺮﺓ ، ﻭﺑﻼﻝ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ ﻭﺍﺣﺪ
، ﻓﺄﺻﺎﺑﺘﻬﻢ ﺍﻟﺤﻤﻰ ، ﻓﺎﺳﺘﺄﺫﻧﺖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﻋﻴﺎﺩﺗﻬﻢ ﻓﺄﺫﻥ، ﻓﺪﺧﻠﺖ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺃﻋﻮﺩﻫﻢ ﻭﺫﻟﻚ ﻗﺒﻞ
ﺃﻥ ﻳﻀﺮﺏ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻟﺤﺠﺎﺏ ﻭﺑﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺷﺪﺓ
ﺍﻟﻮﻋﻚ (40) ، ﻓﺪﻧﻮﺕ ﻣﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻓﻘﻠﺖ : ﻳﺎ ﺃﺑﺖ ﻛﻴﻒ
ﺗﺠﺪﻙ؟ ﻓﻘﺎﻝ :
ﻛﻞ ﺍﻣﺮﺉ ﻣﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﺃﺩﻧﻰ ﻣﻦ
ﺷﺮﺍﻙ ﻧﻌﻠﻪ
ﻗﺎﻟﺖ : ﻓﻘﻠﺖ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﺪﺭﻱ ﺃﺑﻲ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ : ﺛﻢ ﺩﻧﻮﺕ
ﻣﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻓﻬﻴﺮﺓ ﻓﻘﻠﺖ : ﻛﻴﻒ ﺗﺠﺪﻙ ﻳﺎ ﻋﺎﻣﺮ؟ ﻓﻘﺎﻝ :
ﻟﻘﺪ ﻭﺟﺪﺕ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻗﺒﻞ ﺫﻭﻗﻪ ﺇﻥ ﺍﻟﺠﺒﺎﻥ ﺣﺘﻔﻪ ﻣﻦ
ﻓﻮﻗﻪ
ﻛﻞ ﺍﻣﺮﺉ ﻣﺠﺎﻫﺪ ﺑﻄﻮﻗﻪ (41) ﻛﺎﻟﺜﻮﺭ ﻳﺤﻤﻲ
ﺟﻠﺪﻩ ﺑﺮﻭﻗﻪ (42)
ﻗﺎﻟﺖ : ﻓﻘﻠﺖ : ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﺪﺭﻱ ﻋﺎﻣﺮ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ . ﻗﺎﻟﺖ :
ﻭﻛﺎﻥ ﺑﻼﻝ ﺇﺫﺍ ﺃﻗﻠﻊ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺤﻤﻰ ﺍﺿﻄﺠﻊ ﺑﻔﻨﺎﺀ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺛﻢ
ﻳﺮﻓﻊ ﻋﻘﻴﺮﺗﻪ (43) ﻭﻳﻘﻮﻝ :
ﺃﻻ ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮﻱ ﻫﻞ ﺃﺑﻴﺖ ﻟﻴﻠﺔ ﺑﻮﺍﺩ ﻭﺣﻮﻟﻲ
ﺇﺫﺧﺮ (44) ﻭﺟﻠﻴﻞ
ﻭﻫﻞ ﺃُﺭِﺩَﻥ ﻳﻮﻣﺎً ﻣﻴﺎﻩ ﻣَﺠِﻨَـﺔ ﻭﻫﻞ ﻳﺒﺪﻭﻥ ﻟﻲ
ﺷﺎﻣﺔ ﻭﻃﻔﻴﻞ (45)
ﻗﺎﻟﺖ : ﻓﺄﺧﺒﺮﺕ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺬﻟﻚ
ﻓﻘﺎﻝ : ( ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺣﺒﺐ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻛﺤﺒﻨﺎ ﻣﻜﺔ ، ﺃﻭ ﺃﺷﺪ ، ﺍﻟﻠﻬﻢ
ﻭﺻﺤﺤﻬﺎ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﻫﺎ ﻭﺻﺎﻋﻬﺎ ﻭﺍﻧﻘﻞ ﺣﻤﺎﻫﺎ ﻭﺍﺟﻌﻠﻬﺎ
ﺑﺎﻟﺠﺤﻔﺔ ) (46) .
ﻭﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﺩﻭﺭ ﺃﻡ ﻣﻌﺒﺪ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ،
ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻜﺎﻓﺄﺗﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺟﺰﻳﻠﺔ . ﻓﻘﺪ
ﺍﺳﺘﺠﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﺩﻋﺎﺀ ﻧﺒﻴﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻋﻮﻓﻲ
ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻤﻰ، ﻭﻏﺪﺕ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻮﻃﻨﺎً
ﻣﻤﺘﺎﺯﺍً ﻟﻜﻞ ﺍﻟﻮﺍﻓﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ
ﺗﻨﻮﻉ ﺑﻴﺌﺎﺗﻬﻢ ﻭﻣﻮﺍﻃﻨﻬﻢ (47) .
18 ـ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻓﺄﺓ :
ﻭﻗﺪ ﺭﻭﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﻛﺜﺮﺕ ﻏﻨﻤﻬﺎ ﻭﻧﻤﺖ ﺣﺘﻰ ﺟﻠﺒﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻠﺒﺎً
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ، ﻓﻤﺮ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ، ﻓﺮﺁﻩ ﺍﺑﻨﻬﺎ ﻓﻌﺮﻓﻪ ، ﻓﻘﺎﻝ : ﻳﺎ ﺃﻣﻪ
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ، ﻓﻘﺎﻣﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ : ﻳﺎ
ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻚ؟ ﻗﺎﻝ : ﺃﻭ ﻣﺎ ﺗﺪﺭﻳﻦ ﻣﻦ
ﻫﻮ؟ ﻗﺎﻟﺖ: ﻻ، ﻗﺎﻝ : ﻫﻮ ﻧﺒﻲ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻓﺄﺩﺧﻠﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻓﺄﻃﻌﻤﻬﺎ
ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺃﻋﻄﺎﻫﺎ ـ ﻭﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔ :
ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻌﻲ ﻭﺃﻫﺪﺕ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ
ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺃﻗﻂ ﻭﻣﺘﺎﻉ ﺍﻷﻋﺮﺍﺏ ، ﻓﻜﺴﺎﻫﺎ ﻭﺃﻋﻄﺎﻫﺎ ، ﻗﺎﻝ :
ﻭﻻ ﺃﻋﻠﻤﻪ ﺇﻻ ﻗﺎﻝ : ﻭﺃﺳﻠﻤﺖ ، ﻭﺫﻛﺮ ﺻﺎﺣﺐ (ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ) ﺃﻧﻬﺎ
ﻫﺎﺟﺮﺕ ﻫﻲ ﻭﺯﻭﺟﻬﺎ ، ﻭﺃﺳﻠﻢ ﺃﺧﻮﻫﺎ ﺣﺒﻴﺶ، ﻭﺍﺳﺘﺸﻬﺪ ﻳﻮﻡ
ﺍﻟﻔﺘﺢ (48) .
19 ـ ﻫﻜﺬﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻷﺗﺒﺎﻉ :
ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭﻱ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ : ( ﻭﻟﻤﺎ ﻧﺰﻝ ﻋﻠﻲ
ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻲ ﻧﺰﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﻞ
ﻭﺃﻧﺎ ﻭﺃﻡ ﺃﻳﻮﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮ ، ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ : ﻳﺎ ﻧﺒﻲ ﺍﻟﻠﻪ ـ ﺑﺄﺑﻲ ﺃﻧﺖ
ﻭﺃﻣﻲ ـ ﺇﻧﻲ ﻷﻛﺮﻩ ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺃﻥ ﺃﻛﻮﻥ ﻓﻮﻗﻚ ، ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺗﺤﺘﻲ ،
ﻓﺄﻇﻬﺮ ﺃﻧﺖ ﻓﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮ ، ﻭﻧﻨﺰﻝ ﻧﺤﻦ ﻓﻨﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﻞ .
ﻓﻘﺎﻝ : ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺃﻳﻮﺏ : ﺇﻥ ﺃﺭﻓﻖ ﺑﻨﺎ ﻭﺑﻤﻦ ﻳﻐﺸﺎﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﻜﻮﻥ ﻓﻲ
ﺳﻔﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻗﺎﻝ : ﻓﻠﻘﺪ ﺍﻧﻜﺴﺮ ﺟﺐ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﺎﺀ ، ﻓﻘﻤﺖ ﺃﻧﺎ
ﻭﺃﻡ ﺃﻳﻮﺏ ﺑﻘﻄﻴﻔﺔ ﻟﻨﺎ ﻣﺎ ﻟﻨﺎ ﻟﺤﺎﻑ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻧﻨﺸﻒ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻤﺎﺀ
ﺗﺨﻮﻓﺎً ﺃﻥ ﻳﻘﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻨﻪ
ﺷﻲﺀ ﻳﺆﺫﻳﻪ (49) .
20 ـ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻧﻘﻄﺔ ﺗﺤﻮﻝ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ :
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ ﺍﻟﻤﺸﺮﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ
ﺍﻟﻤﻨﻮﺭﺓ ﺃﻋﻈﻢ ﺣﺪﺙ ﺣﻮﻝ ﻣﺠﺮﻯ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ، ﻭﻏﻴﺮ ﻣﺴﻴﺮ
ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻣﻨﺎﻫﺠﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻴﺎﻫﺎ ، ﻭﺗﻌﻴﺶ ﻣﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﻬﺎ
ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﻭﻧﻈﻢ ﻭﺃﻋﺮﺍﻑ ﻭﻋﺎﺩﺍﺕ ﻭﺃﺧﻼﻕ ﻭﺳﻠﻮﻙ
ﻟﻸﻓﺮﺍﺩ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﻭﻋﻘﺎﺋﺪ ﻭ ﺗﻌﺒﺪﺍﺕ ﻭﻋﻠﻢ ، ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ،
ﻭﺟﻬﺎﻟﺔ ﻭﺳﻔﻪ ، ﻭﺿﻼﻝ ﻭﻫﺪﻯ ، ﻭﻋﺪﻝ ﻭﻇﻠﻢ (50) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
في رحاب الهجرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة
» ( الهجرة النبوية المباركة )
» في رحاب الجنة
» الهجرة النبوية الشريفة
» من السيرة العطرة ( الهجرة إلى الحبشة )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الطيب الشنهوري :: المنتدى الاسلامى-
انتقل الى: