هند زوجة الحَجَّاج بنِ يُوسُف الثَّقفيّ
هي هندُ بنت المُهلّبِ بنُ أبي ُصفْرة الأزديّة البصريّة ..
وهى سيدةٌ عربيةٌ .. كريمةُ النَّسب .. عريقةُ المَنَبت..
تزوَّجَها الحّجَّاج بنُ يُوسُف الثَّقفيّ قائدُ جيوشِ الخليفة ِالأمَويّ عبد الملك بن مروان ..
و كانَ مِنَ الشِّدة ِوالقَسْوة ِوالظلمِ مما جعلَ الخليفةَ الأموي الرَّاشدَ عُمر بن عبد العزيز يقولُ فيه :
( لو جاءتْ أممُ الأرضِ كلّ أمةٍ بظُلْمِها و بطْشِها ،و جاءَتْ أمَّتنا بالحَجَّاج وحدَه لرجَحَتْ كفَّة ُ أمتنا ) .
كانََ الحّجَّاجُ قبيح َالمنظرِ وزوجتُه هندُ مِنْ أجمل ِالنِّساءِ ، تزوَّجته رغمًا عنها وعن أبيها
وذاتَ مرَّة جلسَتْ هندُ أمامَ المِرآة تندُبُ حظَّها و تقولُ :
وما هِنــدْ إلا مُهْـــرةٌ عربيّة *** سليـــــــلةُ أفراسٍ تَفخَّــــــذَها بَغلُ
فان ولدت مهراً فلله درها *** وإنْ ولَدَتْ بغـلاً فقد جـاءَ به البَغل ُ
فسَمِعَها الحَجَّاج ُفطار َصوابُه , و أصَرَّ على الانتقامِ منها ، فذهبَ إلى خادِمه وقالَ له:
اذهَبْ إليها وبلِّغها - في كلمتين فقط ، ولو زدْتَ ثالثة قطعْتُ لِسانكَ ، أنِّي قد طلقتًها ،
وأعْطاها هذه العشرينَ ألفِ دينار ٍ..
فذهَبَ إليها الخادمُ وقال لها هاتين الكلمتين :
كُنْت فبنْتِ ..
** كُنْتِ ، أي .. كنتِ زوجَته **
** فبنْتِ ، أي .. أصْبَحْتِ طالِقاً طلاقاً بائِناً أي بالثلاث طلقات **
ولكنَّها كانتْ أفصَحَ منه فقالتْ:
كنَّا فما سَعِدْنا .. و بنَّا فما أسِفنا .
وقالتْ للخادِم ِ:
خُذْ هذه العشرينَ ألفَ دينار ٍلك جَزاءً لكَ على ما بشَّرتَنِى به ..
ومِنْ بعْدِ طلاقِها ، قيل إنَّها لمْ يجْرؤ أحَدُ على خِطبَتها ، كما أنَّها لم تقْبلْ بمَنْ هو أقلُّ من الحجَّاجِ ،
فأغْرِتْ بعضَ الشُّعراءِ بالمالِ ليَمْتدِحوها فامْتدَحُوا جمالَها عندَ الخليفة ِعبد المَلكِ بنِ مروان
فأعْجبَ بها وأرسَلَ إلى عامِلِه على الحِجازِ ليَصِفها له، فأرسَلَ له يقولُ :
إنَّها لا عَيْبَ فيها غيْرَ أنّها عَظيْمَة َالثدْيين ِ .
فقالّ عبدُ الملك :
وما عَيْبُ عظيمة َالثدْيين ؟!.. تُدّفِئ الضّجيْعَ ، وتُشْبعُ الرَّضِيْعَ .
وعلى الفَوْر .. طلبَ الخليفة ُعبدُ المَلكِ بن مروان الزواجَ منها فوافقته ، واشْترَطَتْ عليه
أنْ يكونَ مَنْ يقودُ هودَجَها مِنَ العِراق ِإلى دِمَشْقَ حيثُ قصْره قائدُ الجيوش الحَجَّاجُ بنُ يُوسُفَ الثَقَفِيّ
فوافقَها على ذلِك ..
وأمَرَ الخليفة ُعبدُ الملك الحَجَّاج أنْ يقودَ الرَّاحِلة َبهندٍ ، وبينما يقودُ الحَجَّاجُ الرّاحلة َبها
رمَتْه هِنْدُ بدينار ٍمُتعمِّدة ً، وقالتْ :
يا غُلامُ ، لقد وقعَ مِنِّي دِرْهَماُ فأعْطِنيه .
فقالَ الحَجَّاجُ :
إنَّه دينارٌ و =ليس دِرْهَماُ .
فقالتْ :
الحَمْدُ لله ِالذي بدَّلَ لي دِرهَمِي بدينار ٍخير مِنَ الدِّرْهَم ِ..
** تقصِدُ أنْ تُخْبرَه أنَّها تزوَّجت ْخيراُ مِنه **.
فاسْتشاطَ الحَجَّاجُ غضباً وأسَرَّها في نفسِه ..
وفي القصْر ، كانَ الخليفة ُعبدُ الملك قد جهَّز عشاءً بمناسبةِ الزواج ِ، فإرْسلَ إلى الحَجَّاج ِ يطلبُ
حضورَه .. فرد َّعليه الحَجَّاجُ قائِلاً :
نحنُ قومٌ لا نأكلُ فضلاتَ بعضنا .
** وقيلَ إنه قالَ :
ربَّتني أمِّي على ألا آكلُ فضلاتَ الرجال ِ**
ففهمَ الخليفةُ ما يرْمِي إليه ، وأمَرَ أنْ تدخلَ زوجَته هندُ بأحَدِ القصُور غيرِ قصْره..ولم ْيقرُبْها ..
إلا أنَّه كانَ يزورُها كلَّ يوم ٍبعدَ صلاةِ العَصْر ..
علِمَتْ هندُ بسببِ عدَمِ دخول ِ زوْجها عبدِ الملك عليها ، فاحْتالَتْ لذلك وأرْسَلَتْ إليه أنَّها في حاجةٍ له
في أمْرٍ ما ، و أمَرَتْ الجواري أنْ يُخْبروها بقدومِه .. وعندما أخْبَروها بقدومِه
تعمَّدَتْ قطعَ عقد اللؤلؤ عندَ دخولِه ورفعَتْ ثوبَها وانْحَنَتْ لتجمعَ فيه اللآليءَ ..
فلمَّا رآها عبدُ الملك... أثارَتْه رَوعَتُها وحُسْنُ جمالِها وتندَّمَ لعدمِ دخولِه بها لكلِمةٍ قالها الحَجَّاجُ ..
فقالتْ - وهي تنظِم ُحبَّاتَ اللؤلؤ- :
سُبْحانَ الله ِ ..
فسألها عبدُ الملك :
فيْمَ تسبِّحين اللهَ ؟!
فقالتْ :
إنَّ هذا اللؤلؤ خلَقه اللهُ لزينة المُلوكِ ..
فقالَ :
نعَم ْ ..
قالتَ:
ولكِنْ شاءَتْ حِكْمَتُه ألا يستطيعُ ثقْبَه إلا الغَجرُ.
فقالَ مُتهلِّلاً :
نعَمْ واللهِ ، صَدقْتِ .. قبَّحَ اللهُ مَنْ لامَنِي فيكِ ..
ودخلَ بها مِنْ يومِه هذا.. فغلبّ كيْدُها كيْدَ الحَجَّاج ِ .