درَّاجة الشيخ علي الطنطاوي :
ملَلتُ من انتظار السَّيارة كلَّ يومٍ لتحملَني إلى المدرسة .
فاشتريتُ درَّاجةً وتعلَّمتُ ركوبَها ، ولكنِّي لم أُتقِـنهُ ،
فكنتُ أقفُ على حجَرٍ أو كرسيٍّ فأمتَطي الدرَّاجة ،
وأمشي بها مُتعثِّراً خائفاً .
ومررتُ برجل كبير في السن وأنا راجعٌ إلى بيتي ،
فدعَوتُهُ ليركبَ ورائي على الدرَّاجة فيستريح من انتظار السيارة ويُوفِّر أُجرَتها .
فقال : لا يا عمّ..
أخاف ترميني!.
قلتُ : يا عيب الشُّوم..
أتخافُ وأنتَ ورائي ؟.
فرفضَ وتوَسَّلَ .
فقلتُ : اِركَبْ ولا تخَفْ ،
فركبَ مُكرَهاً .
وسِرنا والطريقُ خالٍ فاعترَضَنا نهرٌ صغيرٌ عليه جسرٌ خشبيٌّ فقال : أنزِلُ وأمشي ..
فقلتُ : لا اِبـقَ راكـباً .
و كان الجسرُ خشَبتَين طويلتين ، فلمَّا بلغتُ وسطَ الجسر اضطربَتْ يَدايَ ومِلْتُ به فسقطَ في النهرِ وسقطتُ فيه وسقطَت الدراجة معنا !.
ولم يكن النهر عميقاً ولكنْ كان نجِساً وكان مَجراهُ طيناً .
أمَّا الدراجةُ فالتوَى عمودُها الفقري وأمَّا نحنُ فخرَجنا بشَرِّ حالٍ ،
وترَكتهُ يُلقي في سَبِّيْ ( مُنولوجاً ) طويلاً ،
لو كنتُ في غير هذه الحالة لأخذتُ قلماً وورقاً وكتبتُ الشتائمَ المُبتكَرة التي نطقَ بها .
ولا أدري من أين اقتبسها..
فهي أوسَخُ من كلِّ ما قالهُ الشُّعراء بل أوسَخُ من النهر الذي سَقَطنا فيه !! .
ولكن الحق هو أنِّي كنتُ مُستحقّاً لها .
الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى :
الذكريات ( 319/2 ) .