الحكم العطائية
ابن عطاء الله السكندري
"متى أطلق لسانك بالطلب فاعلم أنه يريد أن يعطيك"
=======================
مراد ابن عطاء الله هنا بإطلاق الله لسان العبد بالدعاء هو :
تحرير الله له من أوهام استقلاله بنفسه و استغنائه بماله و عافيته و قدراته ، و تنبيهه إلى أنه ضعيف فقير لا يملك من أمر نفسه شيئاً لا في حالة الشدة و لا في حالة الرخاء .
فإن العبد إذا صحا إلى هذه الحقيقة في كيانه استيقظت فطرة عبوديته لله عز و جل بين جوانحه و تنامت مشاعر مملوكيته لله في نفسه ، و لابد أن يحمله ذلك على أن يصطلح مع الله فيصلح ما قد فسد من أمره ، و يتدارك ما قد فرّط في جنب الله و أهمل من حقوقه فيتوب و يؤوب إليه و يطرق من ثم بابه بالمسألة و الدعاء .
و في هذه الحال لابد أن تتحقق الاستجابة كيف لا و قد وعد الله بالاستجابة لمن أقبل إليه هذا الإقبال و دعاه بسائق من هذا الشعور ، و تلك هي الحال التي يقرر ابن عطاء الله التلازم فيها بين الطلب و العطاء .
و آية هذه الحال أو علامتها الفارقة ، أن يتجه العبد إلى الله بالمسألة و الدعاء و هو في أحسن حالات الرخاء عافية و رزقاً و أمناً و قوة ، موقناً فقره مستشعراً مسكنته و حاجته إلى الله عز و جل ، جازماً بأنه سبحانه و تعالى إن شاء سلب منه هذه النعم كلها و تركه في أحلك ظروف الشدة و البلاء .
فهذا هو الطلب المنبئ عن عبودية الطالب لله بشعوره الفطري و سلوكه الاختياري ، إذ إن الذي ينطق في تلك الحال على لسانك إنما هو عبوديتك الضارعة لله و مسكنتك الذاتية على أعتاب الله ، لا غرض عابر تذكرت حاجتك إليه أو شهوة جامحة ألجأتك إلى استجدائها منه .
إنك لتنظر إلى الطفل يحمله والده مشرفاً على واد سحيق ، فيتشبث الطفل بأبيه و يزداد التصاقاً به ، و يبعث إليه من عينيه نظرات الاستعطاف ألا يتركه و أن يظل حاملاً له ممسكاً به ، يريه من نفسه كل هذا الافتقار و الضعف الذي يحوجه إلى حمايته له ، مع أنه يرى نفسه محمولاً بيديه ملتصقاً بصدره مكلوءاً بعنايته "و لله المثل الأعلى"
ذلك لأنه يعلم ضعفه الذاتي و افتقاره الدائم إلى رعاية أبيه له حتى و هو محصن في كنفه محاط باهتمامه .
لماذا لا ندرك نحن أيضاً افتقارنا و نحن في "أوج الحماية و الرعاية" إلى مولانا الذي إن تخلى عنا لحظة واحدة سقطنا من علياء السعادة إلى أحط دركات الشقاء ، كما يدرك هذا الطفل و هو "محاط بذراع أبيه ملتصق بصدره" أن والده إن تخلى عنه سقط في وهدة الوادي السحيق ؟
تبسيط مها الشيخ