قصيدة النفس
للشيخ الرئيس ابن سينا
قال الناظم - رحمه الله - من بحر الكامل :
هَبَطَتْ إِلَيْكَ مِنَ المَحَلِّ الأَرْفَعِ
وَرْقَاءُ ذَاتُ تَعَزُّزٍ وَتَمَنُّـــعِ
مَحْجُوبَةٌ عَنْ مُقْلَةِ كُلِّ عَارِفٍ
وَهْيَ الَّتِي سَفَرَتْ وَلَمْ تَتَبَرْقَـعِ
وَصَلَتْ عَلَى كُرْهٍ إِلَيْكَ وَرُبَّمَا
كَرِهَتْ فِرَاقَكَ وَهْيَ ذَاتُ تَفَجُّعِ
أَنِفَتْ وَمَا أَلِفَتْ فَلَمَّا وَاصَلَتْ
أَنِسَتْ مُجَاوَرَةَ الخَرَابِ البَلْقَـعِ
وَأَظُنُّهَا نَسِيَتْ عُهُودًا بِالحِمَى
وَمَنَازِلاً بِفِرَاقِهَا لَمْ تَقْنـــَعِ
حَتَّى إِذَا اتَّصَلَتْ بِهَاءِ هُبُوطِهَا
عَنْ مِيمِ مَرْكَزِهَا بِذَاتِ اُلأَجْرَعِ
عَلِقَتْ بِهَا ثَاءُ الثَّقِيلِ فَأَصْبَحَتْ
بَيْنَ المَعَالِمِ وَالطُّلُولِ الخُضَّـعِ
تَبْكِي إِذَا ذَكَرَتْ عُهُودًا بِالْحِمَى
بِمَدَامِعٍ تَهْمِي وَلَمَّا تُقْلِــعِ
وَتَظَلُّ سَاجِعَةً عَلَى الدِّمْنِ الَّتِي
دَرَسَتْ بِتِكْرَارِ الرِّيَاحِ الأَرْبَعِ
إِذْ عَاقَهَا الشِّرْكُ الكَثِيفُ وَصَدَّهَا
قَفَصٌ عَنِ الأَوْجِ الفَسِيحِ المُرْبِعِ
وَغَدَتْ مُفَارِقَةً لِكُلِّ مُخْلِفٍ
عَنْهَا حَلِيفِ التُّرْبِ غَيْرِ مُشَيِّع
سَجَعَتْ وَقَدْ كُشِفَ الغِطَاءُ فَأَبْصَرَتْ
مَا لَيْسَ يُدْرَكُ بِالعُيُونِ الهُجَّعِ
وَغَدَتْ تُغَرِّدُ فَوْقَ ذِرْوَةِ شَاهِقٍ
وَ العِلْمُ يَرْفَعُ كُلَّ مَنْ لَمْ يُرْفَعِ
فَلِأَيِّ شَيْءٍ أُهْبِطَتْ مِنْ شَامِخٍ
عَالٍ إِلَى قَعْرِ الحَضِيضَ الأَوْضَع
إِنْ كَانَ أَهْبَطَهَا الإِلَهُ لِحِكْمَةٍ
طُوِيَتْ عَنِ الفَطِنِ اللَّبِيبِ الأَرْوَعِ
فَهُبُوطُهَا إِنْ كَانَ ضَرْبَةَ لاَزِبٍ
لِتَكُونَ سَامِعَةً بِمَا لَمْ تَسْمَعِ
وَتَعُودَ عَالِمَةً بِكُلِّ حَقِيقَةٍ
فِي العَالَمَيْنِ فَخَرْقُهَا لَمْ يُرْقَعِ
وَهْيَ الَّتِي قَطَعَ الزَّمَانُ طَرِيقَهَا
حَتَّى لَقَدْ غَربت بِعَيْنِ المَطْلَعِ
فَكَأَنَّهَا بَرْقٌ تَأَلَّقَ بِالحِمَى
ثُمَّ انْطَوَى فَكأَنَّهُ لَمْ يَلْمَعِ