قصة تبين قيمة الشعر عند العرب
مما رواه صاحب «الأغاني» وغيره
أن أعشى قيس كان يأتي سُوقَ عُكَاظ كل عام، فيتجاذبه الناس في الطريق للضيافة؛ طمعًا في مدحه إياهم والتنويه بهم في عكاظ، فمرَّ يومًا ببني كلاب وكان فيهم رجل يقال له المحلَّق وكان مِئْناثًا مُمْلِقًا له ثَمانِي بَنَات لا يَخْطُبهنَّ أحد لمكان أبيهنَّ من الفقر وخمول الذكر، فقالت له امرأته: ما يمنعك من التعرُّض لهذا الشاعر وإكرامه، فما رأيت أحدًا أكرمه إلا وأكسبه خيرًا؟ فقال: ويْحَك! ما عندي إلا ناقتي، فقالت: يُخْلِفها اللهُ عليك. فتلقَّاه قبل أن يسبقه أحد من الناس، وكان الأعشى كفيفًا يقوده ابنه، فأخذ المُحَلَّقُ بخِطام الناقة، فقال الأعشى: مَنْ هذا الذي غلبنا على خِطام ناقتنا؟ فقيل: المُحَلِّق، قال: شريف كريم، ثم قال لابنه: خَلِّه يقتادها، فاقتادها إلى منزله وأكرمه ونحر له الناقة وجعلت البنات يَدُرْنَ حوله ويبالغن في خدمته، فقال: ما هذه الجواري حولي؟ فقال المحلَّق: بنات أخيك، وهُنَّ ثَمَانٍ نصيبهنَّ قليل، فقال الأعشى: هل لك حاجة؟ فقال: تُشِيد بذِكْري؛ فلعلي أُشْهَر فتُخْطَب بَنَاتي، فنهض الأعشى من عنده ولم يقل شيئًا، فلما وافى عكاظ أنشد قصيدته التي أنشأها في مَدْحه، وهي نَيْف وأربعون بيتًا، وفيها يقول:
لَعَمْرِي لَقَدْ لَاحَتْ عُيونٌ كَثِيرَةٌ * إلى ضَوْءِ نَارٍ بِاليَفَاعِ تُحَرَّقُ
تُشَبُّ لمَقْرورَيْنِ يَصْطِليَانِهَا * وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدَى وَالْمُحَلَّق
فسارت القصيدة وشاعت في العرب، ولم تمضِ سنة على المحلَّق حتى زَوَّج بناته ويسرت حاله.