فِي الحِكْمَةُ مِنْ فَرْضِيَّةِ الصِّيامِ ..
قالَ تَعالَى فِي سُورَةِ"البَقَرَةِ":
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}..
وَالأمْرُ المَعْروفُ لَدَى كُلِّ المُسْلِمِيْنَ الّذِيْنَ يقرؤون هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيْمَةِ ، وَيَفْهَمُونَ
مَعْناها فَهْماً جَلِيَّاً واضِحاً هُو أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ الصِّيامَ عَلَى أمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَما كانَ قَدْ فَرَضَ مِثْلَهُ عَلَى مَنْ قَبْلها مِنَ الأمَمِ .
.
وَالشَّيءُ الذِي أرِيْدُ أنْ أتَحَدَّثَ مَعَكُم عَنْهُ هُو شَيءٌ آخَرُ قَلَّ ما يُتَنَبَّهُ لَهُ أوْ قَلَّ مَنْ
يَتَنَبَّهُ لَهُ مِنْ عامَّةِ النّاسِ ألَا وَهُو قَوْلُهُ تَبارَكَ وَتَعالَى فِي أخِرِ الآيَةِ :
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
فاللهُ –عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ جَرَتْ عادَتُهُ مَعَ عِبادِهِ المُؤمِنِيْنَ أنَّهُ إذا أمَرَهُم بأمْرٍ أوْ شَرَّعَ
لَهُم بِفَرضٍ ، جَرَتْ عادَتُهُ أنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ذِكْرِ الأمْرِ دُونَ بَيانِ الحِكْمَةِ مِنْ ذلِكَ
لأنّ الحِكْمَةَ العامَّةَ مِنْ تَكْلِيْفِ اللهِ –عَزّ َوَجَلَّ- لِعِبادِهِ هُو أنْ يَمْتَحِنَهُم بِهِ لِيَظهَرَ مَنْ
يُطِيْعُهُ مِنْهُم وَمَنْ يُخالِفُهُ..
وَلَكِنّهُ- سُبْحانَهُ وَتَعالَى-فِي هَذِهِ الآيَةِ ذكَرَ شَيْئاً غَيْرَ مَعْهُودٍ كَثِيْراً فِي القُرْآن الكَرِيْمِ
ألَا وَهُو تَعْلِيْلُ الأمْرِ بالصِّيامِ بِقَوْلِهِ تَبارَكَ وَتَعالَى : {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
إذًنْ .. فاللهُ –عَزَّ وَجَلَّ- لمْ يَقْصِدْ مِنْ فَرْضِيَّةِ الصِّيامِ الذِي هُو الامْتِناغُ وَالإمْساكُ
فِي وَقٍت مَحْدودٍ مَعْروفٍ لَدَى الصُّوّامِ عَنِ المَلذّاتِ وَالمُباحاتِ مِنَ الطّيّباتِ مِنَ
الطَّعامِ وَالشَّرابِ فَحَسْبُ - وإنْ كانَ هَذا أمْراً واجِباً بالنِّسْبَةِ لِكُلِّ صائِمٍ - وَإنَّما
يَنْبَغِي عَلَيْهِم أيْضاً أنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ ما حَرَّمَ الله –عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الذُّنُوبِ وَالمَعاصِي
بكافَّةِ صِورِها َأشْكالِها ، وَمِنْ ذلك (قَوْلُ اَلزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ) ..
وَلَقَدْ صَرَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأوْضَح تَمامَ الإيْضاحِ هَذِهِ الحِكْمَةَ الإلَهِيَّةَ
بِقَوْلِهِ- عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- كَما فِي"صَحِيْحِ البُخارِيّ" أنَّهُ قالَ:
« مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ اَلزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ, فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ »..
فالرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُؤكِّدُ قَوْلَهُ تَعالَى :{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .. أيْ:
تَتَقَرّبُون إلَى اللهِ –عَزّ َوَجَلَّ- زِيادَةً عَنْ إمْساكِكُم عَنِ الطَّعامِ وَالشَّرابِ أيْضاً أنْ
تُمْسِكُوا عَنِ المُحَرَّماتِ كـ (الغَيْبَةِ وَالنَّمِيْمَةِ وَالزُّورِ وَشَهادَةِ الزُّور ِوَالكَذِبِ ، وَنَحْوِ
ذلِكَ مِنَ الأخْلاقِ المُحَرَّمَةِ ).. أيْ أنَّ الحِكْمَةَ مِنْ شَرْعِيَّةِ الصِّيامِ هِي أنْ يَزْدادَ
المُسْلِمُ طاعةً للهِ تَبارَكَ وَتَعالَى فِي شَهْرِ الصِّيامِ أكْثَرَ مِمَّا كانَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ .
(مِنْ شَرِيْط "سُنَنٌ مَهْجُورَةٌ فِي رَمَضَانَ" للشَّيْخِ مُحَمَّدٍ بنِ ناصِرِ الألْبانيُّ رَحمَهُ اللهُ) ..