من بلاغة الحوار ..
هذا الحوار جرى بين الحجاج وبين غلامٍ فطنٍ صغير
قال الحجاج .. أخبرني عمن خُلق من الخشب ؟
والذي حُفظ بالخشب ؟
والذي هلك بالخشب ؟
فقال الغلام .. الذي خُلق من الخشب هي الحية خلقت من عصا موسى عليه السلام !!
والذي حُفظ بالخشب نوحٌ عليه السلام !!
والذي هلك بالخشب زكريا عليه السلام !!
فقال الحجاج .. فأخبرني عمن خُلق من الماء ؟
ومن نجا من الماء ؟
ومن هلك بالماء ؟
فقال الغلام .. الذي خُلق من الماء هو أبونا آدم عليه السلام !!
والذي نجا من الماء موسى عليه السلام !!
والذي هلك بالماء فرعون !!
فقال الحجاج .. فأخبرني عمن خُلق من النار ؟
ومن حُفظ من النار ؟
فقال الغلام .. الذي خُلق من نارٍ إبليس !!
والذي نجا من النار إبراهيم عليه السلام !!
فقال الحجاج .. فأخبرني عن أنهار الجنة وعددها ؟
فقال الغلام .. أنهار الجنة كثيرة لا يعلمُ عددهاَ إلا الله سبحانه كما قال في كتابه العزيز
"فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسن وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغير طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لذةً للشاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفى" وكلها تجري في محلٍ واحدٍ لا يختلطُ بعضها ببعض ويوجد نظيرهُ في الدنيا في رأس بنو آدم .. فطعمُ عينه مالح وطعمُ أذنه مر وطعمُ فمه عذب !!
فقال الحجاج .. إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون فهل يوجد مثلهم في الدنيا ؟
فقال الغلام .. الجنين في بطنِ أمه يأكل ويشرب ولا يتغوط !!
فقال الحجاج .. فما أول قطرة من دم ؟
فقال الغلام .. هي حيض حواء !!
فقال الحجاج .. فأخبرني عن العقل ؟
والإيمان ؟
والحياء ؟
والسخاء ؟
والشجاعة ؟
والكرم ؟
فقال الغلام .. إن الله قسم العقل عشرة أقسام جعل تسعة منها في الرجال و واحدا في النساء !!
والإيمان عشرة أقسام تسعة في اليمن و واحد في بقية الدنيا !!
والحياء عشرة أقسام تسعة في النساء و واحد في الرجال
والسخاء عشرة أقسام تسعة في الرجال و واحد في النساء !!
والشجاعة والكرم عشرة أقسام تسعة في العرب و واحد في بقية العالم !!
فقال الحجاج .. فأخبرني ما يجب على المسلم في السنة مرة ؟
وفي العمر مرة ؟
فقال الغلام .. صيام رمضان !!
والحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا !!
فقال الحجاج .. فأخبرني عن أقرب شيء إليك ؟
فقال الغلام .. الآخرة !!
ثم قال الحجاج .. سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده ما رأيت صبياً آتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام !!
فقال الغلام .. إني أهلٌ لذلك !!
فقال الحجاج .. فمن أحق الناس بالخلافة ؟
فقال الغلام .. الذي يعفو ويصفح ويعدل بين الناس !!
فقال الحجاج .. فأخبرني عن النساء ؟
فقال الغلام .. أتسألني عن النساء وأنا صغير لم أطـّلع بعد على أحوالهن و رغائبهن ومعاشرتهن ولكني سأذكر لك المشهور من أمورهن ..
فبنت الـ 10 سنين من الحور العين !!
وبنت الـ 20 نُزهةٌ للناظرين !!
وبنت الـ 30 جنةُ نعيم !!
وبنت الـ 40 شحمٌ ولين !!
وبنت الـ 50 بناتٌ وبنين !!
وبنت الـ 60 ما بها فائدة للسائلين !!
وبنت الـ 70 عجوزٌ في الغابرين !!
وبنت الـ 80 شيطانٌ رجيم !!
وبنت الـ 90 من أصحاب الجحيم !!
فضحك الحجاج وقال .. أيُ النساءِ أحسن ؟
فقال الغلام .. ذات الدلال الكامل والجمال الوافر والنطق الفصيح التي يرتاح لها قلبُ وعقلُ الرجل !!
فقال الحجاج .. فأخبرني يا غلام عن أجود بيتٍ قالته العرب في الكرم ؟
فقال الغلام .. هو بيتُ حاتم طَّيء ..
وأكرمُ الضيف حتماً حين يطرقني ..
قبل العيالِ على عُسرٍ وإيسار !!
فقال الحجاج .. أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بـ 1000 دينار وكسوة حسنة وجارية وسيف وفرس !!
وقال في نفسه .. إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها قتلتُه !!
فلما قدمها له سأله قائلاً .. خذ ما تريد يا غلام فغمزته الجارية .. خذني أنا خَيْرٌ من الجميع !!
فضحك الغلام وقال ليس لي بكِ حاجة وأنشد يقول ..
وقــرقعــت اللجان بـــرأس حــمراً ..
أحــــبُ إلىّ مــما تــغــمـزيني !!
أخـافُ إذا وقعــتُ عــــلى فراشــي ..
وطالت علتي لا تصحبينـــي !!
وأخـــافُ إذا وقــعــنا فــي مضـــيـقٍ ..
وجار الدهرُ بي لا تنصريني !!
وأخـــافُ إذا فـقــدتِ المــالَ عــندي ..
تــمــيلي للخصامِ وتهجريني !!
فأجابته الجارية منشدة ..
معاذ الله أفـــعــــل مـــا تــــقــول..
ولو قطعت شمالي مع يميني !!
وأكتمُ سر زوجــي فــي ضميري ..
وأقـــنعُ باليسير وما يــجيني !!
إذا عاشـــرتني وعرفت طـــبعي ..
ستــعــلمُ أنـــني خــيرُ القرين !!
فقال الحجاج .. ويلكِ ألا تستحين ؟
تغمزينه وتجاوبينه بالشعر !!
فقال الغلام .. إن كُنتَ تُخيّرني فإنني أختار الفرس !!
أما إن كنت ابن حلال فتعطيني الجميع !!
فقال الحجاج .. خذهم لا بارك الله لك فيهم.
فقال الغلام .. قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرةً أخرى !!
ثم قال الغلام .. من أين أخرج يا حجاج ؟
فأجابه الحجاج .. اخرج من ذاك الباب فهو باب السلام.
فقال الجلساء للحجاج .. هذا غُلامٌ جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك وتدله على باب السلام ؟
لماذا لم تدله على باب النقمة والعذاب ؟
فقال الحجاج .. إنه استشارني والمستشار مؤتمن !!
وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً بفضل ذكائهِ وفهمهِ ومعرفتهِ وحسن إطلاعه.
موضوع: من بلاغة الحوار 
الثلاثاء فبراير 09, 2016 11:06 am