مَرَاتِبُ الْعِلْمِ ثَلَاثٌ .
وَلَهُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ : الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى : ( عِلْمُ الْيَقِينِ ) وَهُوَ انْكِشَافُ الْمَعْلُومِ لِلْقَلْبِ بِحَيْثُ يُشَاهِدُهُ وَلَا يَشُكُّ فِيهِ كَانْكِشَافِ الْمَرْئِيِّ لِلْبَصَرِ .
ثُمَّ يَلِيهَا الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَرْتَبَةُ ( عَيْنِ الْيَقِينِ ) وَنِسْبَتُهَا إلَى الْعَيْنِ كَنِسْبَةِ الْأُولَى لِلْقَلْبِ ، ثُمَّ تَلِيهَا الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ ، وَهِيَ ( حَقُّ الْيَقِينِ ) وَهِيَ مُبَاشَرَةُ الْمَعْلُومِ وَإِدْرَاكُهُ الْإِدْرَاكَ التَّامَّ .
فَالْأُولَى كَعِلْمِكَ أَنَّ فِي هَذَا الْوَادِي مَاءٌ ، وَالثَّانِيَةُ كَرُؤْيَتِهِ ، وَالثَّالِثَةُ كَالشُّرْبِ مِنْهُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لِزَكَاةِ الْعِلْمِ طَرِيقَتَانِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ لِزَكَاةِ الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ طَرِيقَيْنِ : أَحَدُهُمَا تَعْلِيمُهُ لِلْعَالِمِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُنَمِّي عِلْمَهُ بِذَلِكَ وَيُزَكِّيهِ .
وَالثَّانِي : الْعَمَلُ بِهِ ، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ أَيْضًا يُنَمِّيهِ وَيُكَثِّرُهُ ، وَيَفْتَحُ لِصَاحِبِهِ أَبْوَابَهُ وَخَبَايَاهُ .
وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ } قَالَ سُلُوكُ الطَّرِيقِ لِالْتِمَاسِ الْعِلْمِ يَدْخُلُ فِيهِ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْمَشْيُ بِالْأَقْدَامِ إلَى مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْمَعْنَوِيَّةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى حُصُولِ الْعِلْمِ ، مِثْلُ حِفْظِهِ وَدِرَاسَتِهِ وَمُذَاكَرَتِهِ وَمُطَالَعَتِهِ وَكِتَابَتِهِ وَالتَّفَهُّمِ لَهُ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الطَّرِيقِ الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْعِلْمِ .
وَقَوْلُهُ { سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ } قَدْ يُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يُسَهِّلُ لَهُ الْعِلْمَ الَّذِي طَلَبَهُ وَسَلَكَ طَرِيقَهُ وَيُيَسِّرُهُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ الْعِلْمَ طَرِيقٌ مُوصِلٌ إلَى الْجَنَّةِ .
وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ .
فَهَلْ مِنْ طَالِبِ عِلْمٍ فَيُعَانُ عَلَيْهِ .
وَقَدْ يُرَادُ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ يُيَسِّرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ إذَا قَصَدَ بِطَلَبِهِ وَجْهَ اللَّهِ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ فَيَكُونُ سَبَبًا لِهِدَايَتِهِ وَلِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ .
وَقَدْ يُيَسِّرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ عُلُومًا أُخَرَ يَنْتَفِعُ بِهَا وَتَكُونُ مُوصِلَةً إلَى الْجَنَّةِ كَمَا قِيلَ : مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَوْرَثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ .
وَكَمَا قِيلَ : ثَوَابُ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةُ بَعْدَهَا .
وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ { وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى }
( غذاء الالباب في شرح منظومة الآداب)