بِسم اللهِ الرَّحمن الرَّحيم
بسم الله والحمد لله
وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله
وآله وصحبه ومن والاه
الحمد لله الذي هَدانا بالكتاب والسُنّة، وأخذَ عَلَينا ميثاقَ الاقْتِداء بما فَعَلَه رسولُ اللهِ وسَنَّهُ، وأحلّنا بإتّباع أعْلَم العالِمين مَحلاّ مُنيفًا، وشَرّفَنا باتِّباع سنّته تشريفًا، نَحمده تعالى ونشكره ونستعينه سبحانه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، ارتضى لنا الإسلام دينًا، وبعثَ فينا رسولاً أمينًا، وأشهد أنَّ سيّدَنا ومَولانا وحبَيبَنا محمدًا أشرفُ العالمين.
اللّهم صلّ وسلم وبَارك على هذا النّبي الزكيِّ، أطهرِ الخَلق وأعْظَمِهم أجمعين.
سَرَتْ بشائرٌ بالهادي ومولدهِ
في الشرقِ والغربِ مسرى النورِ في الظُلَمِ
تخطفت مُهَجَ الطاغين من عربٍ
وطَيَّرتْ أَنْفُسَ الباغين من عجمِ
ذلكم رسول الله؛ صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، صاحب الغرّة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيّد بجبريل، من خصه الله بالكرامة ، وظللته الغمامة ، سيد الثقلين ، وشفيع الدارين ،البشير النذير ، السراج المنير ، نور الأنوار وسيد الأبرار ، من سمع الناس تسبيح الحصى في كفه وأجابت دعوته الأشجار ، خير الخلق في طفولته، وأطهر المطهرين في شبابه، وأنجب البشرية في كهولته، وأزهد الناس في حياته، وأعدل القضاة في قضائه، وأشجع قائد في جهاده؛ اختصه الله بكل خلق نبيل؛ وطهره من كل دنس وحفظه من كل زلل، وأدبه فأحسن تأديبه وجعله على خلق عظيم؛ فلا يدانيه أحد في كماله وعظمته وصدقه وأمانته وزهده وعفته.
اعترف كل من عرفه حق المعرفة بعلو نفسه وصفاء طبعه وطهارة قلبه ونبل خلقه ورجاحة عقله وتفوق ذكائه وحضور بديهته وثبات عزيمته ولين جانبه ورحمة قلبه وشفقة فؤاده وعزة مكانته.
كان متواضعا في غير ذلة ، مترفعا في غير كبر
كان يرقع ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته ويخدم أهله بنفسه
• جاءه أعرابي فظل يرتعد وما استطاع أن يكلمه تهيبا له
فقال له – صلى الله عليه وسلم - :
" هون عليك يا أخ العرب ؛ إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة "
هذا رسول الله
من رآه هابه ، فإذا خالطه أحبه
إذا مشى مع قوم فهو أطولهم ، وإذا جلس مع قوم فهو أعلاهم
كان عرقه مس يرشح
تجلى مولدُ الهادي وعمت : بشائره البوادي والقصابا
وأسدت للبرية بنت وهب يدًا بيضاءَ جللت الرقابا
لقد وضعته وهاجًا منيرا : ما تلد السماوات الشهابا
حبيبي يا رسول الله إنْ كان هُناك من قائد فأنت القائد يا رسول الله “صلّى الله عليك وسلم”، وإن كان هناك من يستحق الثّقة والجمال فأنتَ الأيقونة لذلك، للقائك رهَبة وهَيبة، وفي حديثك العبرة والموعظة ، ويوم القيامة من يديك الشريفتين نسأل الله أن يرزقنا رشفة ماء لا نَظمأ بعدها أبداََ، أنت الخلاص من الظلم، وأنت من أخرجتنا من ظُلمات عبادة الأصنام والأوثان إلى أنوار عبادة رب العباد، فالله “عز وجل” هُو أحق من يستحقّ الشكر والثّناء والحب لما أعطانا من عطاء، ولما رزقنا من نور وهدى بلا حول منا ولا قُوة؛ لنكون في ذلك عالمين بقدر جمال هذا النبي الذي أرسله الله “عز وجل” رحمة للعالمين
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" ما أنعم الله على أهل الدنيا نعمة أجل ولا أعظم من بعث محمد صلى الله عليه وسلم "
فتلك فرحتنا بالنعمة ، وهذا شكرنا لله المنعم المتفضل
على ما أنعم به من فضل جسيم وخير عميم بنبينا الرءوف الرحيم والذي يقع في قلوبنا أن نحتفل بمولده
هو المولد النبوي الشريف الذي نقف له بيدِِ حانية وبقلب ملؤه حنين وبِعَينِِ دامعة شوقاََ إلى ذاك النبي الأمّي الأطهر الأغر الأنور محمد بن عبد الله “عليه أشرف الصلاة وأتم التسليم.
محمد أشرف الأعراب والعجم * محمد خير من يمشي على قدم
محمد باسط المعروف جامعه * محمد صاحب الإحسان والكرم
محمد تاج رسل الله قاطبة * محمد صادق الأقوال والكلم
إنَّ مِن ألطفِ المِنَنِ التي تكرّم الله بها، جلّ جلاله، عَلى نبيّهِ وحبيبه ومصطفاه، صلّى الله عليه وسلّم، أنَّه هو الذي تولّى بذاته العليّة تعليمه وتَأديبَه وتَرقِيَتَه في مَدارج المعرفة ومسالك اليقين. ولقد تَواترت في هذا المعنى الآيات البيّنات تنويهًا بهذه المزيّة العالية التي اختصّه بها دونَ سائر العالَمين،فقالَ- عَزّ مِنْ قائلٍ- : ’وأنْزَلَ عليكَ الكتابَ والحكمةَ وعلّمك مَا لَم تَكن تَعلمْ، وكانَ فَضلُ الله عليك عظيمًا ’. ويَقول أيضًا : ’ سَنُقْرئكَ فلا تَنسى ’ ، ويقول سبحانه وتعالى:’ الرّحمنُ عَلّمَ القرآنَ ’ ، أي علّم نبيّهُ القرآنَ فَحذفَ المفعول الأولَ لظهوره. ولم يَقتَصر فيض الرحمات الربانيّة على الوَحي المكتوب المنزّل عليه بل شَملَ كلَّ حَركاتِه وسكَناتِهِ، في خَلَواتِه وَجَلَواتِه، صلّى الله عليه وسلّم، فكلُّ ما أنْجَزَه مِن قولٍ أو عَمَلٍ أو حالٍ، إنمّا هو من تعليم الله إياّه، فَلذلكَ كان في الذُّرْوَة العليا من البهاء والعِصمة والكمال، وكلّ ذلك متأتٍ من تأديبِ الله له الذي أشارَ إليه سَيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام قائلا : ’ أدّبَني رَبّي فأحْسَنَ تأديبي’ وكفى به شهادَةً على سُموّ أخلاقه، وعلى رَبّانية أصلها ونَورانية مَعدَنِها. وبذلكَ علّل المحقّقون من علماء الأمّة يُتْمَهُ الشّريف، إذ قد نشأ يتيمًا حتّى لا ينال فخارَ تَربيته أحدٌ من العالمين. وبذلكَ أيضا فسّرَ جلّ العلماء أميّتَه صلّى الله عليه وسلّم حتّى لا يَتَولّى شَرَفَ تَعليمه أحدٌ إلاّ الله، وبذلك وُجِّهَ عَدَمُ قوله الشعرَ حتّى لا يَجـــريَ على لسانه إلاّ لطائفُ الحكمة قرآنًا يتلَى ومواعظ تَتْرَى. ومن ذلك التعليم الربّاني الفاخِر تَفَجَّرت كلُّ المَعارف الإسلاميّة إذْ كانت كلّها منسابةً مِن بِحارِ عِلمِه الزَّاخرة ومشكاة أنواره الباهرة. المنبعثة من مشكاة أنوار وحي السماء " وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى "
هَذا وأشرف معلومٍ أبلغه اللهُ لنبيّه، صلّى الله عليه وسلّم، هو وَحدانيةُ الله وبها ضَمَّخَ قلبَه الشّريف، منذ أن أسْجَدَهُ على بساط الخطاب، وبها فاحَت أرجاء فؤاده اللطيف لمّا ثَبَّتَه بها عظيمُ الجَناب، ويكفيه صلّى الله عليه وسلّم فخرًا أنّ فؤادَه الشّريفَ كان المحلّ الأعلى الذي تيسّر كـــلام الله القــــديـــم بواســـــــطة لسانه
لقوله تعالى: ’فإنّما يَسّرناه بلسانك لتبشّرَ به المتّقينَ وتُنْذِرَ به قومًا لُدًّا’ ، ، حتّى صــارَ غَــيــبُ كلام الله شَهــــادَةً. فَحـــقيــقَة قوله تعالى
:’وما أرسلناكَ إلاّ رَحمَةً للعالمين’ أنَّه، صلّى الله عليه وسلّم، الواسِطَةَ التي ظهرَ بها مَا سَبَقَ في علم الله وانكشفَ مُرادُه إلى النّاس كَافَّة، فَهو أوّل مَن تلقّى المعارف الإلهيّة وبلسانه بُلّغَتْ، وبأحواله ضُمّخت ومن قَلبِه تَدانَت ورَشَحَتْ.
فصلّوا على سيّدنا محمّد وزيدوا في محبّته
اللهم صلِّ وسلِّم وبَارِكْ على سيدنا ومولانا مُحَمَّدٍ وعلى آل سيدنا محمد، مَهْبِطِ الرَّحمات وأصلها، ومَصْدَرِ الخَيرات وفَضلها، وسِراج العقول ونورها، وراحة القلوب وصفائِها، وطب الأبدان وشفائها ، وقوت الأرواح وغذائها
على قدري أصوغ لك المديحا * ومدح صاغه الله صريحا
ومن أنا يا رسول الله حتى : أوفي قدرك العالي شروحا
أيّها الأحبّة الأعزَّاء
إنَّ مِن الخَصائص الشّريفة لسيّدنا محمّدٍ، صَلّى الله عليه وسلّم، أنّ اللهَ تعالى خصصه بخصائص لم تكن لنبي من قبله :
فقد أوتي القرآن ومثله معه ، وجعلت له الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت له الغنائم ، ونصره الله بالرعب مسيرة شهر ، وان النبي يبعث إلى قومه خاصة وأرسل إلى الناس عامة
خصص نبينا بعشر خصال : لم يحتلم قط وليس له ظلال
و كل ما يخرج منه الأرض تبتلع : كذلك الذباب عنه ممتنع
تنام عيناه وقلبه لا ينام : يرى من الخلف كما يرى من الأمام
تعرفه الدواب حين يركب : تأتي إليه مسرعة لا تهرب
يعلو جلوسه جلوس الجلساء * صلى الله عليه صبحا ومساء
نعم
كان يمشي ولا ظل له ، ولا يقع الذباب عليه ، وكان يواصل الصوم وينهى أصحابه عن الوصال ، ويقول " إني لست كهيئتكم ؛ إنما أبيت عند ربي يطعني ويسقيني "
ولد الهدى فالكائنات ضياءُ : وفم الزمان تبسم وثناءُ
هو
رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، و ينتهي نسبه الشريف إلى سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .
ولد عام الفيل صبيحة يوم الاثنين سنة 571 ميلادية في مكة
المكرمة و بقي فيها قرابة الثلاث وخمسين سنة ومن ثم هاجر
إلى المدينة وتوفي بها عن ثلاث وستين سنة .
ومن أسمائه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا محمد،
وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو اللهُ به الكفر، وأنا الحاشِرُ الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقِب الذي ليس بعده نبي "،
وقد سماه الله رءوفاً رحيماً
متفق عليه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسمي نفسه أسماء
فقال :" أنا محمد، وأنا أحمد،وأنا المقفِّي،
ونبي التوبة، ونبي الرحمة )، ( المقفِّي: آخر الأنبياء)"، رواه مسلم .
قال القاضي عياض : وقد حمى الله هذين الاسمين ( يعني
محمد وأحمد ) أن يتسمى بهما أحد قبل زمانه، فأحمد الذي
ذكر في الكتب وبشر به عيسى عليه السلام، فمنع الله بحكمته أن يتسمى به أحد غيره، ولا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل اللبس ولا الشك فيه على ضعيف القلب، وأما محمد فلم يتسم به أحد من العرب
ولا غيرهم إلا حين شاع قبيل مولده أن نبياً يبعث اسمه
محمد، فسمى قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو، والله أعلم حيث يجعل رسالته .
ومن تكريم الله تعالى له ولاسمه الشريف أنه صرف كفار
قريش عن شَتم اسمه، فكانوا يدعونه مذمَّماَ وفي ذلك يقول
عليه الصلاة والسلام :
" ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش، ولعنهم ؟
يشتمون مذَمَّماً، ويلعنون مُذَمَّماَ وأنا محمد "
والده عبد الله بن عبد المطلب الذبيح الذي نذر والده ذبحه عند الكعبة ثم فداه بمائة من الإبل
- أما أمّهاته، فله صلى الله عليه وسلم أربع أمهات
- آمنة بنت وهب:
هي " أمه ولادةً "، كانت خير امرأة في قريش
نسباً وموضعاً من أسرة تعتبر من أشرف القبائل العربية
وأشرفها سلالة من بني زهرة ، تزوجها عبد الله بن عبد المطلب
وما بقي معها إلا ثلاثة أيام حملت فيها برسول الله ، ثم خرج مع قومه في تجارة ، وبعد أيام جاءها خبر موته ودفنه عند أخوال أبيه من بني النجار .
- حليمة السعدية :
هي " أمه رضاعةً "، من بادية بني سعد ، كانت فاضلة طيبة وحاضنة مرضعة، كسبت شرف أمومة رسول الله صلى الله عليه وسلم برضاعته
، جاءت تزور رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمره يومها واحد خمسون سنة فتلقاها قائلا " أمي أمي " ثم فرش لها رداءه فجلست عليه ، ولما شكت له الفقر والحاجة حمل لها النبي صلى الله عليه وسلم على بعيرين ما يكفيها ويكفي قومها
- بَرَكة أم أيمن :
"أمه حضانةً"،
حاضنة النبي ( بركة الحبشية ) تكنى بأم أيمن كانت من موالي أبيه عبد الله بن عبد المطلب،
احتضنت النبي صلى الله عليه وسلم عندها حتى شب
وقد أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد زواجه من السيدة خديجة
. وأم أيمن كانت قد أعلنت إسلامها من بداية الدعوة وكانت من أوائل النسوة اللاتي هاجرن إلى الحبشة والمدينة
ولقد كانت خلال هجرتها إلى المدينة المنورة، صائمة
مهاجرة ماشية، ولم يكن معها شيء من الزاد أو الشراب لتفطر عليه ولما حانت ساعة الإفطار منحها الله تعالى كرامة عظيمة إذ دُّلي عليها من السماء دلو فيه ماء مغشى بقماشة بيضاء فأخذته وشربت منه حتى رويت فما عطشت بعدها أبداً . وقد احتفظت رضي الله عنها بالدلو حتى توفيت في خلافة عثمان
- فاطمة بنت أسد الهاشمية :
- هي " أمه تربيةًً "،
وهي زوجة عمه أبي طالب، وأم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه . وطالب وعقيل وجعفر وأم هانئ وجمانة وريطة أولاد عم الرسول عليه الصلاة والسلام
. ربته في بيتها وأولت النبي صلى الله عليه وسلم رعاية خاصة
وبذلت أقصى جهدها حتى لا تجعله يشعر بالغربة أو اليتم، حتى أنها كانت تفضله على أبنائها ، وبهذا أصبحت فاطمة بنت أسد رضي الله عنها من أقرب المقربات للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ولقد حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من الحديث .
سيدي يا رسول الله
يا من قلت في حديثك الشريف :
" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "
يا أول من تنشق عنه الأرض ، وأول من يدخل الجنة برحمة الله
يا رءوف يا رحيم
يا أول شافع ومشفع يوم القيامة
يا من قلت وقولك حق :
" لكل نبي دعوة مستجابة ، فتعجل كل نبي دعوته في الدنيا ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا "
ينال الرضا من الله من يصلي عليك يا أبا القاسم يا حبيب الله
اللهم صلّ وسلِّم وبارِكْ على سيِّدنَا ومولانا مُحمدٍ وعلى آل سيدنا محمدٍ وصحبه أجمعين ،
فصلّوا على من أتانا بالفرض والسّنن
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.*
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* بتصرف
من محاضرة ألقاها
أ الطيب سيد أحمد
في مناسبة حلول ذكرى المولد الشريف
يوم الأحد
17 من ربيع الأول سنة 1440 من الهجرة
المصادف 25 من نوفمبر سنة 2018 بعد الميلاد
موضوع: في أنوار مولده 
الأحد ديسمبر 09, 2018 11:07 am
