الطيب الشنهوري
اهلا وسهلا زائرنا الكريم.. تفضل بالتسجيل فى المنتدى
ادارة المنتدى / الطيب
الطيب الشنهوري
اهلا وسهلا زائرنا الكريم.. تفضل بالتسجيل فى المنتدى
ادارة المنتدى / الطيب
الطيب الشنهوري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الطيب الشنهوري

منتدى ثقافي - ديني - اجتماعي - علمي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 في رحاب سورة البقرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الطيب الشنهورى
مدير المنتدي
الطيب الشنهورى


عدد المساهمات : 10438
تاريخ التسجيل : 06/10/2011

في رحاب سورة البقرة   Empty
مُساهمةموضوع: في رحاب سورة البقرة    في رحاب سورة البقرة   Icon_minitimeالثلاثاء مارس 07, 2017 6:06 pm

في رحاب سورة البقرة
إعراب وتفسير

( الم )
البقرة (1)

«الم» حروف مقطعة لا محل لها من الإعراب أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه الم.

( ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ )
البقرة (2)

«ذلِكَ» ذا اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ واللام للبعد والكاف للخطاب.
«الْكِتابُ» بدل من اسم الإشارة مرفوع ، ويجوز إعرابه خبرا لاسم الإشارة.
«لا رَيْبَ» لا نافية للجنس تعمل عمل إن. ريب اسمها مبني على الفتح في محل نصب.
«فِيهِ» جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف تقديره حاصل ، وجملة لا ريب فيه خبر لاسم الإشارة.
«هُدىً» خبر ثان لاسم الإشارة مرفوع بالضمة المقدرة.

«لِلْمُتَّقِينَ» المتقين اسم مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم ، متعلقان بهدى.

( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )
البقرة (3)

«الَّذِينَ» اسم موصول مبني على الفتح في محل جر صفة للمتقين.
«يُؤْمِنُونَ» فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة ، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. «بِالْغَيْبِ» جار ومجرور متعلقان بالفعل يؤمنون. وجملة «يُؤْمِنُونَ» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
«وَيُقِيمُونَ» فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل .. والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها. «الصَّلاةَ» مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة
«وَمِمَّا» الواو عاطفة ومن حرف جر ، ما اسم موصول مبني على السكون في محل جر بحرف الجر.
«رَزَقْناهُمْ» فعل ماض مبني على السكون ، نا فاعل والهاء مفعول به والميم علامة جمع الذكور. والعائد محذوف وهو المفعول الثاني ، التقدير مما رزقناهم إياه والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
«يُنْفِقُونَ» فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل

التفسير
*********
بدأت سورة البقرة بقوله تعالى: {الم} . . وهذه الحروف حروف مقطعة ومعنى مقطعة أن كل حرف ينطق بمفرده. لأن الحروف لها أسماء ولها مسميات. . فالناس حين يتكلمون ينطقون بمسمى الحرف وليس باسمه. . فعندما تقول كتب تنطق بمسميات الحروف. فإذا أردت أن تنطق بأسمائها. تقول كاف وتاء وباء. . ولا يمكن أن ينطق بأسماء الحروف إلا من تعلم ودرس، أما ذلك الذي لم يتعلم فقد ينطق بمسميات الحروف ولكنه لا ينطق بأسمائها، ولعل هذه أول ما يلفتنا. فرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ولذلك لم يكن يعرف شيئا عن أسماء الحروف. فإذا جاء ونطق بأسماء الحروف يكون هذا إعجازاً من الله سبحانه وتعالى. . بأن هذا القرآن موحى به إلى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. . ولو أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ درس وتعلم لكان شيئا عاديا أن ينطق بأسماء الحروف. ولكن تعالَ إلى أي أمي لم يتعلم. . إنه يستطيع أن ينطق بمسميات الحروف. . يقول الكتاب وكوب وغير ذلك. . فإذا طلبت منه أن ينطق بأسماء الحروف فإنه لا يستطيع أن يقول لك. إن كلمة كتاب مكونة من الكاف والتاء والألف والباء. . وتكون هذه الحروف دالة على صدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في البلاغ عن ربه. وأن هذا القرآن موحى به من الله سبحانه وتعالى. ونجد في فواتح السور التي تبدأ بأسماء الحروف. تنطق الحروف بأسمائها وتجد الكلمة نفسها في آية أخرى تنطق بمسمياتها. فألم في أول سورة البقرة نطقتها بأسماء الحروف ألف لام ميم. بينما تنطقها بمسميات الحروف في شرح السورة في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1] وفي سورة الفيل في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل} [الفيل: 1] ما الذي جعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. . ينطق {الم} في سورة البقرة بأسماء الحروف. . وينطقها في سورتي الشرح والفيل بمسميات الحروف. لابد أن رسول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ سمعها من الله كما نقلها جبريل عليه السلام إليه هكذا. إذن فالقرآن أصله السماع لا يجوز أن تقرأه إلا بعد أن تسمعه. لتعرف أن هذه تُقرأ ألف لام ميم والثانية تقرأ ألم. . مع أن الكتابة واحدة في الاثنين. . ولذلك لابد أن تستمع إلى فقيه يقرأ القرآن قبل أن تتلوه. . والذي يتعب الناس أنهم لم يجلسوا إلى فقيه ولا استمعوا إلى قارئ. . ثم بعد ذلك يريدون أن يقرأوا القرآن كأي كتاب. نقول لا. . القرآن له تميز خاص. . إنه ليس كأي كتاب تقرؤه. . لأنه مرة يأتي باسم الحرف. ومرة يأتي بمسميات الحرف. وأنت لا يمكن أن تعرف هذا إلا إذا استمعت لقارئ يقرأ القرآن. والقرآن مبني على الوصل دائما وليس على الوقف، فإذا قرأت في آخر سورة يونس مثلا: {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} [109] لا تجد النون عليها سكون بل تجد عليها فتحة، موصولة بقول الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم. ولو كانت غير موصولة لوجدت عليها سكونا. إذن فكل آيات القرآن الكريم مبنية على الوصل. . ما عدا فواتح السور المكونة من حروف فهي مبنية على الوقف. . فلا تقرأ في أول سورة البقرة: {الم} والميم عليها ضمة. بل تقرأ ألفا عليها سكون ولاما عليها سكون وميما عليها سكون. إذن كل حرف منفرد بوقف. مع أن الوقف لا يوجد في ختام السور ولا في القرآن الكريم كله. وهناك سور في القرآن الكريم بدأت بحرف واحد مثل قوله تعالى: {ص والقرآن ذِي الذكر} [ص: 1] {ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1] ونلاحظ أن الحرف ليس آية مستقلة. بينما «ألم» في سورة البقرة آية مستقلة. و: «حم» . و: «عسق» آية مستقلة مع أنها كلها حروف مقطعة. وهناك سور تبدأ بآية من خمسة حروف مثل «كهيعص» في سورة مريم. . وهناك سور تبدأ بأربعة حروف. مثل «المص» في سورة «الأعراف» . وهناك سور تبدأ بأربعة حروف وهي ليست آية مستقلة مثل «ألمر» في سورة «الرعد» متصلة بما بعدها. . بينما تجد سورة تبدأ بحرفين هما آية مستقلة مثل: «يس» في سورة يس. و «حم» في سورة غافر وفصلت. . و: «طس» في سورة النمل. وكلها ليست موصلة بالآية التي بعدها. . وهذا يدلنا على أن الحروف في فواتح السور لا تسير على قاعدة محددة. «ألم» مكونة من ثلاث حروف تجدها في ست سور مستقلة. . فهي آية في البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم والسجدة ولقمان. و «الر» ثلاثة حروف ولكنها ليست آية مستقلة. بل جزء من الآية في أربع سور هي: يونس ويوسف وهود وإبراهيم. . و: «المص» من أربعة حروف وهي آية مستقلة في سورة «الأعراف» و «المر» أربعة حروف، ولكنها ليست آية مستقلة في سورة الرعد إذن فالمسألة ليست قانونا يعمم، ولكنها خصوصية في كل حرف من الحروف. وإذا سألت ما هو معنى هذه الحروف؟ . . نقول إن السؤال في أصله خطأ. . لأن الحرف لا يسأل عن معناه في اللغة إلا إن كان حرف معنى. . والحروف نوعان: حرف مَبْنَى وحرف معنى. حرف المبنى لا معنى له إلا للدلالة على الصوت فقط. . أما حروف المعاني فهي مثل في. ومن. . وعلى. . (في) تدل على الظرفية. . و (مِنْ) تدل على الابتداء و (إلى) تدل على الانتهاء. . و (على) تدل على الاستعلاء. . هذه كلها حروف معنى. وإذا كانت الحروف في أوائل السور في القرآن الكريم قد خرجت عن قاعدة الوصل لأنها مبنية على السكون لابد أن يكون لذلك حكمة. . أولا لنعرف قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حَسَنَةٌ والحَسَنَةُ بعَشْر أمْثَالها، لا أقولُ ألم حرف ولكن ألفٌ حرْفٌ ولاَمٌ حرف ومِيمٌ حرف» ولذلك ذكرت في القرآن كحروف استقلالية لنعرف ونحن نتعبد بتلاوة القرآن الكريم أننا نأخذ حسنة على كل حرف. فإذا قرأنا بسم الله الرحمن الرحيم. يكون لنا بالباء حسنة وبالسين حسنة وبالميم حسنة فيكون لنا ثلاثة حسنات بكلمة واحدة من القرآن الكريم. والحسنة بعشر أمثالها. وحينما نقرأ «ألم» ونحن لا نفهم معناها نعرف أن ثواب القرآن على كل حرف نقرؤه سواء فهمناه أم لم نفهمه. . وقد يضع الله سبحانه وتعالى من أسراره في هذه الحروف التي لا نفهمها ثوابا وأجرا لا نعرفه. ويريدنا بقراءتها أن نحصل على هذا الأجر. . والقرآن الكريم ليس إعجازا في البلاغة فقط. ولكنه يحوي إعجازا في كل ما يمكن للعقل البشري أن يحوم حوله. فكل مفكر متدبر في كلام الله يجد إعجازا في القرآن الكريم. فالذي درس البلاغة رأى الإعجاز البلاغي، والذي تعلم الطب وجد إعجازا طبيا في القرآن الكريم. وعالم النباتات رأى إعجازا في آيات القرآن الكريم، وكذلك عالم الفلك. . وإذا أراد إنسان منا أن يعرف معنى هذه الحروف فلا نأخذها على قدر بشريتنا. . ولكن نأخذها على قدر مراد الله فيها. . وقدراتنا تتفاوت وأفهامنا قاصرة. فكل منا يملك مِفْتاحاً من مفاتيح الفهم كل على قدر علمه. . هذا مفتاح بسيط يفتح مرة واحدة وآخر يدور مرتين. . وآخر يدور ثلاث مرات وهكذا. . ولكن من عنده العلم يملك كل المفاتيح، أو يملك المفتاح الذي يفتح كل الأبواب. . ونحن لا يجب أن نجهد أذهاننا لفهم هذه الحروف. فحياة البشر تقتضي منا في بعض الأحيان أن نضع كلمات لا معنى لها بالنسبة لغيرنا. . وإذن كانت تمثل أشياء ضرورية بالنسبة لنا. تماما ككلمة السر التي تستخدمها الجيوش لا معنى لها إذا سمعتها. ولكن بالنسبة لمن وضعها يكون ثمنها الحياة أو الموت. . فخذ كلمات الله التي تفهمها بمعانيها. . وخذ الحروف التي لا تفهمها بمرادات الله فيها. فالله سبحانه وتعالى شاء أن يبقى معناها في الغيب عنده. والقرآن الكريم لا يؤخذ على نسق واحد حتى نتنبه ونحن نتلوه أو نكتبه. لذلك تجد مثلا بسم الله الرحمن الرحيم مكتوبة بدون ألف بين الباء والسين. ومرة تجدها مكتوبة بالألف في قوله تعالى: {اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ} [العلق: 1] وكلمة تبارك مرة تكتب بالألف ومرة بغير الألف. . ولو أن المسألة رتابة في كتابة القرآن لجاءت كلها على نظام واحد. ولكنها جاءت بهذه الطريقة لتكون كتابة القرآن معجزة وألفاظه معجزة. ونحن نقول للذين يتساءلون عن الحكمة في بداية بعض السور بحروف. . نقول إن لذلك حكمة عند الله فهمناها أو لم نفهمها. . والقرآن نزل على أمة عربية فيها المؤمن والكافر. . ومع ذلك لم نسمع أحداً يطعن في الأحرف التي بدأت بها السور. وهذا دليل على أنهم فهموها بملكاتهم العربية. . ولو أنهم لم يفهموها لطعنوا فيها. وأنا أنصح من يقرأ القرآن الكريم للتعبد. . ألا يشغل نفسه بالتفكير في المعنى. أما الذي يقرأ القرآن ليستنبط منه فليقف عند اللفظ والمعنى. . فإذا قرأت القرآن لتتعبد فاقرأه بسر الله فيه. . ولو جلست تبحث عن المعنى. . تكون قد حددت معنى القرآن الكريم بمعلوماتك أنت. وتكون قد أخذت المعنى ناقصا نقص فكر البشر. . ولكن اقرأ القرآن بسر الله فيه. إننا لو بحثنا معنى كل لفظ في القرآن الكريم فقد أخرجنا الأمي وكل من لم يدرس اللغة العربية دراسة متعمقة من قراءة القرآن. ولكنك تجد أميا لم يقرأ كلمة واحدة ومع ذلك يحفظ القرآن كله. فإذا قلت كيف؟ نقول لك بسر الله فيه. والكلام وسيلة إفهام وفهم بين المتكلم والسامع. المتكلم هو الذي بيده البداية، والسامع يفاجأ بالكلام لأنه لا يعلم مقدما ماذا سيقول المتكلم. . وقد يكون ذهن السامع مشغولا بشيء آخر. . فلا يستوعب أول الكلمات. . ولذلك قد تنبهه بحروف أو بأصوات لا مهمة لها إلا التنبيه للكلام الذي سيأتي بعدها. وإذا كنا لا نفهم هذه الحروف. فوسائل الفهم والإعجاز في القرآن الكريم لا تنتهي، لأن القرآن كلام الله. والكلام صفة من صفات المتكلم. . ولذلك لا يستطيع فهم بشري أن يصل إلى منتهى معاني القرآن الكريم، إنما يتقرب منها. لأن كلام الله صفة من صفاته. . وصفة فيها كمال بلا نهاية. فإذا قلت إنك قد عرفت كل معنى للقرآن الكريم. . فإنك تكون قد حددت معنى كلام الله بعلمك. . ولذلك جاءت هذه الحروف إعجازا لك. حتى تعرف إنك لا تستطيع أن تحدد معاني القرآن بعلمك. . إن عدم فهم الإنسان لأشياء لا يمنع انتفاعه بها. . فالريفي مثلا ينتفع بالكهرباء والتليفزيون وما يذاع بالقمر الصناعي وهو لا يعرف عن أي منها شيئا. فلماذا لا يكون الله تبارك وتعالى قد أعطانا هذه الحروف نأخذ فائدتها ونستفيد من أسرارها ويتنزل الله بها علينا بما أودع فيها من فضل سواء أفهم العبد المؤمن معنى هذه الحروف أو لم يفهمها. وعطاء الله سبحانه وتعالى وحكمته فوق قدرة فهم البشر. . ولو أراد الإنسان أن يحوم بفكره وخواطره حول معاني هذه الحروف لوجد فيها كل يوم شيئا جديدا. لقد خاض العلماء في البحث كثيرا. . وكل عالم أخذ منها على قدر صفائه، ولا يدعي أحد العلماء أن ذلك هو الحق المراد من هذه الحروف. . بل كل منهم يقول والله أعلم بمراده. ولذلك نجد عالما يقول (ألر) و (حم) و (ن) وهي حروف من فواتح السور تكون اسم الرحمن. . نقول إن هذا لا يمكن أن يمثل فهما عاما لحروف بداية بعض سور القرآن. . ولكن ما الذي يتعبكم أو يرهقكم في محاولة إيجاد معان لهذه الحروف؟! . . لو أن الله سبحانه وتعالى الذي أنزل القرآن يريد أن يفهمنا معانيها. . لأوردها بمعنى مباشر أو أوضح لنا المعنى. فمثلا أحد العلماء يقول إن معنى (ألم) هو أنا الله اسمع وأرى. . نقول لهذا العالم لو أن الله أراد ذلك فما المانع من أن يورده بشكل مباشر لنفهمه جميعا. . لابد أن يكون هناك سر في هذه الحروف. . وهذا السر هو من أسرار الله التي يريدنا أن ننتفع بقراءتها دون أن نفهمها. . ولابد أن نعرف أنه كما أن للبصر حدوداً. وللأذن حدوداً وللمس والشم والتذوق حدوداً، فكذلك عقل الإنسان له حدود يتسع لها في المعرفة. . وحدود فوق قدرات العقل لا يصل إليها. والإنسان حينما يقرأ القرآن والحروف الموجودة في أوائل بعض السور يقول إن هذا أمر خارج عن قدرته العقلية. . وليس ذلك حجراً أو سَدّاً لباب الاجتهاد. . لأننا إن لم ندرك فإن علينا أن نعترف بحدود قدراتنا أمام قدرات خالقنا سبحانه وتعالى التي هي بلا حدود. وفي الإيمان هناك ما يمكن فهمه وما لا يمكن فهمه. . فتحريم أكل لحم الخنزير أو شرب الخمر لا ننتظر حتى نعرف حكمته لنمتنع عنه. ولكننا نمتنع عنه بإيمان أنه مادام الله قد حرمه فقد أصبح حراما. ولذلك يقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «ما عرفتم من محكمه فاعملوا به، وما لم

ذلك الكتاب : القرآن العظيم لا ريب فيه : لاشك في أنه حقّ من عند الله هدى : هادٍ من الضلالة للمتقين : الذين تجنبوا المعاصي وأدّوا الفرائض فوقوا أنفسهم العذاب

في الآية الثانية
من سورة البقرة وصف الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بأنه الكتاب. وكلمة (قرآن) معناها أنه يُقرأ، وكلمة (كتاب) معناها أنه لا يحفظ فقط في الصدور، ولكن يُدوّن في السطور، ويبقى محفوظاً إلى يوم القيامة، والقول بأنه الكتاب، تمييز له عن كل كتب الدنيا، وتمييز له عن كل الكتب السماوية التي نزلت قبل ذلك، فالقرآن هو الكتاب الجامع لكل إحكام السماء، منذ بداية الرسالات حتى يوم القيامة، وهذا تأكيد لارتفاع شأن القرآن وتفرده وسماويته ودليل على وحدانية الخالق، فمنذ فجر التاريخ، نزلت على الأمم السابقة كتب تحمل منهج السماء، ولكن كل كتاب وكل رسالة نزلت موقوتة، في زمانها ومكانها، تؤدي مهمتها لفترة محددة وتجاه قوم مُحَّددين. فرسالة نوح عليه السلام كانت لقومه، وكذلك إبراهيم ولوط وشعيب وصالح عليهم السلام. . كل هذه رسالات كان لها وقت محدود، تمارس مهمتها في الحياة، حتى يأتي الكتاب وهو القرآن الكريم الجامع لمنهج الله سبحانه وتعالى. ولذلك بُشر في الكتب السماوية التي نزلت قبل بعثة محمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ بأن هناك رسولا سيأتي، وأنه يحمل الرسالة الخاتمة للعالم، وعلى كل الذين يصدقون بمنهج السماء أن يتبعوه. . وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل} [من الآية 157 سورة الأعراف] والقرآن هو الكتاب، لأنه لن يصل إليه أي تحريف أو تبديل، فرسالات السماء السابقة ائتمن الله البشر عليها، فنسوا بعضها، وما لم ينسوه حرفوه، وأضافوا إليه من كلام البشر، ما نسبوه إلى الله سبحانه وتعالى ظلما وبهتانا، ولكن القرآن الكريم محفوظ من الخالق الأعلى، مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ومعنى ذلك ألا يرتاب إنسان في هذا الكتاب، لأن كل ما فيه من منهج الله محفوظ منذ لحظة نزوله إلى قيام الساعة بقدرة الله سبحانه وتعالى. يقول الحق جل جلاله: {لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} . والإِعجاز الموجود في القرآن الكريم هو في الأسلوب وفي حقائق القرآن وفي الآيات وفيما رُوِىَ لنا من قصص الأنبياء السابقين، وفيما صحح من التوراة والإنجيل، وفيما أتى به من علم لم تكن تعلمه البشرية ولازالت حتى الآن لا تعلمه، كل ذلك يجعل القرآن لا ريب فيه، لأنه لو اجتمعت الإنس والجن ما استطاعوا أن يأتوا بآية واحدة من آيات القرآن، ولذلك كلما تأملنا في القرآن وفي أسلوبه، وجدنا أنه بحق لا ريب فيه، لأنه لا أحد يستطيع أن يأتي بآية، فما بالك بالقرآن. فهذا الكتاب ارتفع فوق كل الكتب، وفوق مدارك البشر، يوضح آيات الكون، وآيات المنهج، وله في كل عصر معجزات. إن كلمة الكتاب التي وصف الله سبحانه وتعالى بها القرآن تمييزا له عن كل الكتب السابقة، تلفتنا إلى معان كثيرة، تحدد لنا بعض أساسيات المنهج التي جاء هذا الكتاب ليبلغنا بها. وأول هذه الأساسيات، أن نزول هذا الكتاب، يستوجب الحمد لله سبحانه وتعالى. واقرأ في سورة الكهف: {الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} [الكهف: 1 2] ويلفت الله سبحانه وتعالى عباده إلى أن إنزاله القرآن على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يستوجب الحمد من البشر جميعا، لأن فيه منهج السماء، وفيه الرحمة من الله لعباده، وفيه البشارة بالجنة والطريق إليها، وفيه التحذير من النار وما يقود إليها، وهذا التحذير أو الإنذار هو رحمة من الله تعالى لخلقه. لأنه لو لم ينذرهم لفعلوا ما يستوجب العذاب، ويجعلهم يخلدون في عذاب اليم. ولكن الكتاب الذي جاء ليلفتهم إلى ما يغضب الله، حتى يتجنبوه، إنما جاء برحمة تستوجب الحمد، لأنها أرتنا جميعاً، الطريق إلى النجاة من النار، ولو لم ينزل الله سبحانه وتعالى الكتاب، ما عرف الناس المنهج الذي يقودهم إلى الجنة، وما استحق احد منهم رضا الله ونعيمه في الآخرة. وفي سورة الكهف، نجد تأكيداً آخر. . إن كتاب الله، وهو القرآن الكريم لن يستطيع بشر أن يبدل منه كلمة واحدة، واقرأ قوله جل جلاله: {واتل مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الكهف: 27] ويبين الله سبحانه وتعالى لنا أن هذا الكتاب، جاء لنفع الناس، ولنفع العباد، وأن الله ليس محتاجاً لخلقه، فهو قادر على أن يقهر من يشاء على الطاعة، ولا يمكن لخلق من خلق الله أن يخرج من كون الله عن مرادات الله، واقرأ قوله سبحانه وتعالى: {طسم تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 1 - 4] ويأتي الله سبحانه وتعالى بالقسم الذي يلفتنا إلى أن كل كلمة من القرآن هي من عند الله، كما ابلغها جبريل عليه السلام لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في قوله سبحانه: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العالمين} [الواقعة: 75 - 80] ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلى ذلك الكتاب الذي هو منهج للإنسان على الأرض، فبعد أن بين لنا جل جلاله، بما لا يدع مجالا للشك أن الكتاب منزل من عنده، وأنه يصحح الكتب السابقة كالتوراة، والإنجيل والتي ائتمن الله عليها البشر، فحرفوها وبدلوها، وهذا التحريف أبطل مهمة المنهج الإلهي بالنسبة لهذه الكتب، فجاء الكتاب الذي لم يصل اليه تحريف ولا تبديل، ليبقى منهجاً لله، إلى أن تقوم الساعة. أول ما جاء به هذا الكتاب هو إيمان القمة، بأنه لا إله إلا الله الواحد الأحد. . والله سبحانه وتعالى يقول: {الم الله لا إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم نَزَّلَ عَلَيْكَ الكتاب بالحق مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التوراة والإنجيل} [آل عمران: 1 - 3] وهكذا نعرف أن الكتاب نزل ليؤكد لنا، أن الله واحد أحد، لا شريك له، وأن القرآن يشتمل على كل ما تضمنته الشرائع السماوية من توراة وإنجيل، وغيرها من الكتب. فالقرآن نزل ليفرق بين الحق الذي جاءت به الكتب السابقة، وبين الباطل الذي أضافه أولئك الذي ائتمنوا عليها. ثم يحدد الحق تبارك وتعالى لنا مهمتنا في أن هذا الكتاب مطلوب أن نبلغه للناس جميعاً، واقرأ قوله سبحانه: {المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 1 - 2] فالخطاب هنا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وكل خطاب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في القرآن الكريم، يتضمن خطابا لأمته جميعاً، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كلف بأن يبلغ الكتاب للناس، ونحن مكلفون بأن نتبع المنهج نفسه ونبلغ ما جاء في القرآن للناس حتى يكون الحساب عدلا، وأنهم قد بلغوا منهج الله، ثم كفروا به أو تركوه، إذن فإبلاغ الكتاب من المهمات الأساسية التي حددها الله سبحانه وتعالى بالنسبة للقرآن. والكتاب فيه رد على حجج الكفار وأباطيلهم. واقرأ قول الله تبارك وتعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ الناس وَبَشِّرِ الذين آمنوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الكافرون إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} [يونس: 1 - 2] وفي هذه الآيات الكريمة: يلفتنا الله سبحانه وتعالى إلى حقيقتين. . الحقيقة الأول هي أن الكفار يتخذون من بشرية الرسول حُجة بأن هذا الكتاب ليس من عند الله. وكان الرد هو: أن كل الرسل السابقين كانوا بشراً، فما هو العجب في أن يكون محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رسولاً بشراً. واللفتة الثانية هي أن هذا القرآن مكتوب بالحروف نفسها التي خلقها الله لنا لنكتب بها، ومع ذلك فإن القرآن الكريم نزل مستخدماً لهذه الحروف التي يعرفها الناس جميعاً، معجزاً في ألا يستطيع الإنس والجن، مجتمعين أن يأتوا بسورة واحدة منه. ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى لفتة أخرى إلى أن هذا الكتاب محكم الآيات، ثم بينه الله لعباده، واقرأ قوله جل جلاله في سورة هود: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [هود: 1 - 2] هذه هي بعض الآيات في القرآن الكريم، التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يلفتنا فيها إلى معنى الكتاب، فآياته من عند الله الحكيم الخبير، وكل آية فيها إعجاز مُتَحدَّى به الإنس والجن، وهذا الكتاب لابد أن يبلغ للناس جميعاً، فالكتاب ينذرهم ألا يعبدوا إلا الله، ليكون الحساب عدلا في الآخرة، فمن أنذر وأطاع كان له الجنة، ومن عصى كانت له النار والعياذ بالله. ثم يلفتنا الله إلى أن هذا الكتاب فيه قصص الأنبياء السابقين منذ آدم عليه السلام، يقول جل جلاله: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هذا القرآن وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين} [يوسف: 1 - 3] وهكذا نجد أن القرآن الكريم، قد جاء ليقص علينا أحسن القصص بالنسبة للأنبياء السابقين، والأحداث التي وقعت في الماضي، ولم يأت القرآن بهذه القصص للتسلية أو للترفيه، وإنما جاء بها للموعظة ولتكون عبرة إيمانية، ذلك أن القصص القرآني يتكرر في كل زمان ومكان. ففرعون هو كل حاكم طغى في الأرض، ونصب نفسه إلها، وقارون هو كل من أنعم الله عليه فنسب النعمة إلى نفسه، وتكبر وعصى الله، وقصة يوسف هي قصة كل إخوة حقدوا على أخ لهم، وتآمروا عليه، وأهل الكهف هم كل فتية آمنوا بربهم، فنشر الله لهم من رحمته في الدنيا والآخرة، ما عدا قصة واحدة هي قصة مريم وعيسى عليهما السلام، فهي معجزة لن تتكرر ولذلك عرف الله سبحانه وتعالى أبطالها، فقال عيسى بن مريم وقال مريم ابنة عمران. والكتاب الذي أنزله الله سبحانه وتعالى فيه لفتة إلى آيات الله في كونه. واقرأ قوله تعالى: {المر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب والذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الحق ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ الله الذي رَفَعَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ استوى عَلَى العرش وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأمر يُفَصِّلُ الآيات لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: 1 - 2] وهكذا بين لنا الله في الكتاب آياته في الكون ولفتنا إليها، فالسماء مرفوعة بغير عمد نراها، والشمس والقمر مسخران لخدمة الإنسان، وهذه كلها آيات لا يستطيع أحد من خلق الله أن يدعيها لنفسه أو لغيره، فلا يوجد، حتى يوم القيامة من يستطيع أن يدعي انه رفع السماء بغير عمد، أو أنه خلق الشمس والقمر وسخرهما لخدمة الإنسان. ولو تدبر الناس في آيات الكون لآمنوا ولكنهم في غفلة عن هذه الآيات. ثم يحدد الحق سبحانه وتعالى مهمة هذا الكتاب وكيف أنه رحمة للناس جميعاً، فيقول جل جلاله: {الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلى صِرَاطِ العزيز الحميد الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [إبراهيم: 1 - 2] أي أن مهمة هذا الكتاب هي أن يخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والشرك إلي نور الإيمان، لأن كل كافر مشرك تحيط به ظلمات، يرى الآيات فلا يبصرها، ويعرف أن هناك حسابا وآخرة ولكنه ينكرهما، ولا يرى إلا الحياة الدنيا القصيرة غير المأمونة في كل شيء، في العمر والرزق والمتعة، ولو تطلع إلى نور الإيمان، لرأى الآخرة وما فيها من نعيم أبدي ولَعَمِلَ من أجلها، ولكن لأنه تحيط به الظلمات لا يرى. . والطريقُ لأن يرى هو هذا الكتاب، القرآن الكريم لأنه يخرج الناس إذا قرءوه من ظلمات الجهل والكفر إلى نور الحقيقة واليقين. وبين الحق سبحانه وتعالى أن الذين يلتفتون إلى الدنيا وحدها، هم كالأنعام التي تأكل وتشرب، بل إن الأنعام أفضل منهم، لأن الأنعام تقوم بمهمتها في الحياة، بينما هم لا يقومون بمهمة العبادة، فيقول الحق تبارك وتعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأمل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 1 - 3] هكذا يخبرنا الحق أن آيات كتابه الكريم ومنهجه لا تؤخذ بالتمني، ولكن لابد أن يعمل بها، وأن الذين كفروا في تمتعهم بالحياة الدنيا لا يرتفعون فوق مرتبة الأنعام، وأنهم يتعلقون بأمل كاذب في أن النعيم في الدنيا فقط، ولكن الحقيقة غير ذلك وسوف يعلمون. وهكذا بعد أن تعرضنا بإيجاز لبعض الآيات التي ورد فيها ذكر الكتاب انه كتاب يبصرنا بقضية القمة في العقيدة وهي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رسول الله، وهو بهذا يخرج الناس من الظلمات إلى النور. وأن يلفتهم إلى آيات الكون. . وأن يعرفوا أن هناك آخرة ونعيماً أبدياً وشقاء أبدياً، وأن يقيم الدليل والحجة على الكافرين، وأن قوله تعالى: {ذَلِكَ الكتاب} يحمل معنى التفوق الكامل الشامل على كل ما سبقه من كتب. وأنه سيظل كذلك حتى قيام الساعة ولذلك وصفه الحق تبارك وتعالى بأنه «كتاب» ليكون دليلا على الكمال. ولابد أن نعرف أن ذلك ليست كلمة واحدة. . وإنما هي ثلاث كلمات. . «ذا» اسم إشارة. . «واللام» تدل على الابتعاد ورفعة شأن القرآن الكريم، و «ك» لمخاطبة الناس جميعا بأن القرآن الكريم له عمومية الرسالة إلى يوم القيامة. ونحن عندما نقرأ سورة البقرة نستطيع أن نقرأ آيتها الثانية بطريقتين. . الطريقة الأولى أن نقول {الم ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ} ثم نصمت قليلا ونضيف: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} والطريقة الثانية أن نقول: {الم ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ} ثم نصمت قليلا ونضيف: فيه هدى للمتقين «وكلتا الطريقتين توضح لنا معنى لا ريب أي لا شك. . أو نفي للشك وجزم مطلق أنه كتاب حكيم منزل من الخالق الأعلى. وحتى نفهم المنطلق الذي نأخذ منه قضايا الدين، والتي سيكون دستورنا في الحياة، فلابد أن نعرف ما هو الهدى ومن هم المتقون؟ الهدى هو الدلالة على طريق يوصلك إلى ما تطلبه. فالإشارات التي تدل المسافر على الطريق هي هدى له لأنها تبين له الطريق الذي يوصله غالى المكان الذي يقصده. . والهدى يتطلب هاديا ومهديا وغاية تريد أن تحققه. فإذا لم يكن هناك غاية أو هدف فلا معنى لوجود الهدى لأنك لا تريد أن تصل إلى شيء. . وبالتالي لا تريد من أحد أن يدلك على طريق. إذن لا بد أن نوجد الغاية أولا ثم نبحث عمن يوصلنا إليها. وهنا نتساءل من الذي يحدد الهدف ويحدد لك الطريق للوصول إليه؟ إذا أخذنا بواقع حياة الناس فإن الذي يحدد لك الهدف لابد أن تكون واثقا من حكمته. . والذي يحدد لك الطريق لابد أن يكون له من العلم ما يستطيع به أن يدلك على أقصر الطرق لتصل إلى ما تريد. فإذا نظرنا إلى الناس في الدنيا نجد أنهم يحددون مطلوبات حياتهم ويحددون الطريق الذي يحقق هذه المطلوبات. . فالذي يريد أن يبني بيتا مثلا يأتي بمهندس يضع له الرسم، ولكن الرسم قد يكون قاصرا على أن يحقق الغاية المطلوبة فيظل يغير ويبدل فيه. ثم يأتي مهندس على مستوى أعلى فيضع تصوراً جديداً للمسألة كلها. . وهكذا يكون الهدف متغيرا وليس ثابتا. وعند التنفيذ قد لا توجد المواد المطلوبة فنغير ونبدل لنأتي بغيرها ثم فوق ذلك كله قد تأتي قوة أعلى فتوقف التنفيذ أو تمنعه. إذن فأهداف الناس متغيرة تحكمها ظروف حياتهم وقدراتهم. . والغايات التي يطلبونها لا تتحقق لقصور علم البشر وإمكاناته. إذن فكلنا محتاجون إلى كامل العلم والحكمة ليرسم لنا طريق حياتنا. . وأن يكون قادرا على كل شيء، ومالكا لكل شيء، والكون خاضعا لإرادته حتى نعرف يقينا أن ما نريده سيتحقق، وأن الطريق الذي سنسلكه سيوصلنا إلى ما نريده. وينبهنا الله سبحانه وتعالى إلى هذه القضية فيقول: {قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى} [البقرة: 120] إن الله يريد أن يلفت خلقه إلى أنهم إذا أرادوا أن يصلوا إلى الهدف الثابت الذي لا يتغير فليأخذوه عن الله. وإذا أرادوا أن يتبعوا الطريق الذي لا توجد فيه أي عقبات أو متغيرات. . فليأخذوا طريقهم عن الله تبارك وتعالى. . إنك إذا أردت باقيا. . فخذ من الباقي، وإذا أردت ثابتا. . فخذ من الثابت. ولذلك كانت قوانين البشر في تحديد أهدافهم في الحياة وطريقة الوصول إليها قاصرة. . علمت أشياء وغابت عنها أشياء. . ومن هنا فهي تتغير وتتبدل كل فترة من الزمان. ذلك أن من وضع القوانين من البشر له هدف يريد أن يحققه، ولكن الله جل جلاله لا هوى له. . فإذا أردت أن تحقق سعادة في حياتك، وأن تعيش آمنا مطمئنا. . فخذ الهدف عن الله، وخذ الطريق عن الله. فإن ذلك ينجيك من قلق متغيرات الحياة التي تتغير وتتبدل. والله قد حدد لخلقه ولكل ما في كونه أقصر طريق لبلوغ الكون سعادته. والذين لا يأخذون هذا الطريق يتعبون أنفسهم ويتعبون مجتمعهم ولا يحققون شيئا. إذن فالهدف يحققه الله لك، والطريق يبينه الله لك. . وما عليك إلا أن تجعل مراداتك في الحياة خاضعة لما يريده الله. ويقول الله سبحانه وتعالى: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} . . ما معنى المتقين؟ متقين جمع متق. والاتقاء من الوقاية. . والوقاية هي الاحتراس والبعد عن الشر. . لذلك يقول الحق تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا الناس والحجارة} [التحريم: 6] أي اعملوا بينكم وبين النار وقاية. احترسوا من أن تقعوا فيها. . ومن عجيب أمر هذه التقوى أنك تجد الحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم والقرآن كله كلام الله «اتقوا الله» ويقول: «اتقوا النار» . كيف نأخذ سلوكا واحدا تجاه الحق سبحانه وتعالى وتجاه النار التي سيعذب فيها الكافرون؟! الله تعالى يقول: «اتقوا النار» . أي لا تفعلوا ما يغضب الله حتى لا تعذبوا في النار. . فكأنك قد جعلت بينك وبين النار وقاية بأن تركت المعاصي وفعلت الخير. وقول تعالى: «اتقوا الله» كيف نتقيه بينما نحن نطلب من الله كل النعم وكل الخير دائما. كيف يمكن أن يتم هذا؟ وكيف نتقي من نحب؟ . نقول ان لله سبحانه وتعالى صفات جلال وصفات جمال. . صفات الجلال تجدها في القهار والجبار والمذل. . والمنتقم. والضار. كل هذا من متعلقات صفات الجلال. . بل إن النار من متعلقات صفات الجلال. أما صفات الجمال فهي الغفار والرحيم وكل الصفات التي تتنزل بها رحمات الله وعطاءاته على خلقه. فإذا كنت تقي نفسك من النار وهي من متعلقات صفات الجلال لابد أن تقي نفسك من صفات الجلال كلها. لأنه قد يكون من متعلقاتها ما أشد عذابا وإيلاما من النار. . فكأن الحق سبحانه وتعالى حين يقول: «اتقوا النار» . و: «اتقوا الله» يعني أن نتقي غضب الله الذي يؤدي بنا إلى أن نتقي كل صفات جلاله. . ونجعل بيننا وبينها وقاية. فمن اتقى صفات جلال الله أخذ صفات جماله. . ولذلك يقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: « إذا كانت آخر ليلة من رمضان تجلى الجبار بالمغفرة» وكان المنطق يقتضي أن يقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (تجلى الرحمن بالمغفرة) ولكن مادامت هناك ذنوب، فالمقام لصفة الجبار الذي يعذب خلقه بذنوبهم. فكأن صفة الغفار تشفع عند صفة الجبار. . وصفة الجبار مقامها للعاصين، فتأتي صفة الغفار لتشفع عندها، فيغفر الله للعاصين ذنوبهم، وجمال المقابلة هنا حينما يتجلى الجبار بجبروته بالمغفرة فساعة تأتي كلمة جبار. . يشعر الإنسان بالفزع والخوف والرعب. لكن عندما تسمع (تجلى الجبار بالمغفرة) فإن السعادة تدخل إلى قلبك. لأنك تعرف أن صاحب العقوبة وهو قادر عليها قد غفر لك. والنار ليست آمرة ولا فاعلة بذاتها ولكنها مأمورة. إذن فاستعذ منها بالآمر أو بصفات الجمال في الآمر. يقول الحق سبحانه وتعالى {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} ولقد قلنا أن الهدى هدى الله. . لأنه هو الذي حدد الغاية من الخلق ودلنا على الطريق الموصل إليها. فكون الله هو الذي حدد المطلوب ودلنا على الطريق إليه فهذه قمة النعمة. . لأنه لم يترك لنا أن نحدد غايتنا ولا الطريق إليها. فرحمنا بذلك مما سنتعرض له من شقاء في أن نخطئ ونصيب بسبب علمنا القاصر، فنشقى وندخل في تجارب، ونمشي في طرق ثم نكتشف أننا قد ضللنا الطريق فنتجه إلى طريق آخر فيكون أضل وأشقى. وهكذا نتخبط دون أن نصل إلى شيء. . وأراد سبحانه أن يجنبنا هذا كله فأنزل القرآن الكريم. . كتابا فيه هداية للناس وفيه دلالة على أقصر الطرق لكي نتقي عذاب الله وغضبه. والله سبحانه وتعالى قال: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} أي أن هذا القرآن هدى للجميع. . فالذي يريد أن يتقي عذاب الله وغضبه يجد فيه الطريق الذي يحدد له هذه الغاية. . فالهدى من الحق تبارك وتعالى للناس جميعا. ثم خص من آمن به بهدى آخر، وهو أن يعينه على الطاعة. إذن فهناك هدى من الله لكل خلقه وهو أن يدلهم سبحانه وتعالى ويبين لهم الطريق المستقيم. هذا هو هدى الدلالة، وهو أن يدل الله خلقه جميعا على الطريق إلى طاعته وجنته. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فاستحبوا العمى عَلَى الهدى} [فصلت: 17] إذن الحق سبحانه وتعالى دلهم على طريق الهداية. . ولكنهم أحبوا طريق الغواية والمعصية واتبعوه. . هذه هداية الدلالة. . أما هداية المعونة ففي قوله سبحانه: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} [محمد: 17] وهذه هي دلالة المعونة. . وهي لا تحق إلا لمن آمن بالله واتبع منهجه وأقبل على هداية الدلالة وعمل بها. . والله سبحانه وتعالى لا يعين من يرفض هداية الدلالة، بل يتركه يضل ويشقى. . ونحن حين نقرأ القرآن الكريم نجد أن الله تبارك وتعالى: يقول لنبيه ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ} [القصص: 56] وهكذا نفى الله سبحانه وتعالى عن رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يكون هاديا لمن أحب. . ولكن الحق يقول لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: {وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] فكيف يأتي هذا الاختلاف مع أن القائل هو الله. نقول: عندما تسمع هذه الآيات اعلم أن الجهة منفكة. . يعني ما نفى غير ما أثبت. . ففي غزوة بدر مثلا أخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حفنة من الحصى قذفها في وجه جيش قريش. يأتي القرآن الكريم إلى هذه الواقعة فيقول الحق سبحانه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى} [الأنفال: 17] نفي للحدث وإثباته في الآية نفسها. . كيف رمى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. . مع أن الله تبارك وتعالى قال: {وَمَا رَمَيْتَ} ؟! نقول إنه في هذه الآية الجهة منفكة. الذي رمى هو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ولكن الذي أوصل الحصى إلى كل جيش قريش لتصيب كل مقاتل فيهم هي قدرة الله سبحانه وتعالى. فما كان لرمية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حفنة من الحصى يمكن أن تصل إلى كل جيش الكفار، ولكن قدرة الله هي التي جعلت هذا الحصى يصيب كل جندي في الجيش. أما قول الحق سبحانه وتعالى لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: {وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} . فهي هداية دلالة. أي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بتبليغه للقرآن وبيانه لمنهج الله قد دل الناس كل الناس على الطريق المستقيم وبينه لهم. وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ} . . أي إنك لا توصل الهداية إلى القلوب لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يهدي القلوب ويزيدها هدى وإيمانا. ولذلك أطلقها الله تبارك وتعالى قضية إيمانية عامة في قوله: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} فالقرآن الكريم يحمل هداية الدلالة للذين يريدون أن يجعلوا بينهم وبين غضب الله وعذابه وقاية

بعد أن بين الله سبحانه وتعالى لنا أن هذا الكتاب وهو القرآن الكريم {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} . . أي أن فيه المنهج والطريق لكل من يريد أن يجعل بينه وبين غضب الله وقاية. . أراد أن يعرفنا صفات هؤلاء المتقين ومن هم. . وأول صفة هي قوله تعالى: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} . . ما هو الغيب الذي جعله الله أول مرتبة في الهدى. . وفي الوقاية من النار ومن غضب الله؟ . . الغيب هو كل ما غاب عن مدركات الحس. فالأشياء المحسة التي نراها ونلمسها لا يختلف فيها أحد. . ولذلك يقال ليس مع العين أين. . لأن ما تراه لا تريد عليه دليلا. . ولكن الغيب لا تدركه الحواس. . إنما يدرك بغيرها. . ومن الدلالة على دقة التعريف أنهم قالوا أن هناك خمس حواس ظاهرة هي: السمع والبصر والشم والذوق واللمس. . ولكن هناك أشياء تدرك بغير هذه الحواس. . لنفرض أن أمامنا حقيبتين. . الشكل نفسه والحجم نفسه. هل تستطيع بحواسك الظاهرة أن تدرك أيهما أثقل من الأخرى؟ . هل تستطيع الحواس الخمس أن تقول لك أي الحقيبتين أثقل؟ . . لا. . لابد أن تحمل واحدة منهما ثم تحمل الأخرى لتعرف أيهما أثقل. . بأي شيء أدركت هذا الثقل؟ . . بحاسة العضل. . لأن عضلاتك أُجهدت عندما حملت إحدى الحقيبتين، ولم تجهد عندما حملت الثانية. . فعرفت بالدقة أيهما أثقل. . لا تقل باللمس؛ لأنك لو لمست إحداهما ثم لمست الأخرى لا تعرف أيهما أثقل. . إذن فهناك حاسة العضل التي تقيس بها ثقل الأشياء. . ولنفرض أنك دخلت محلا لبيع القماش، وأمامك نوعان من قماش واحد. . ولكن أحدهما أرق من الآخر. . بمجرد أن تضع القماشين بين أنامِلك تدرك أن أحدهما رقيق والآخر أكثر سمكا. . بأي حاسة أدركت هذا؟ ليس بحاسة اللمس ولكن بحاسة البينة وحكمها لا يخطئ. . وعندما تشعر بالجوع. . بأي حاسة أدركت أنك جوعان؟ . . ليس بالحواس الظاهرة. . وكذلك عندما تظمأ. . ما هي الحاسة التي أدركت بها أنك محتاج إلى الماء. . وعندما تكون نائما. . أي حاسة تلك التي توقظك من النوم. . لا أحد يعرف. . إذن هناك ملكات في النفس وهي الحواس الظاهرة. . وهناك إدراكات في النفس. . وهي حواس لا يعلمها إلا خالقها. . لذلك عندما يأتي العلماء ليضعوا تعريفا للنفس البشرية نقول لهم: ماذا تعرفون عن هذه النفس؟! . . إنكم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا. . ولكن هناك أشياء داخل النفس لا تعرفونها. . هناك إدراكات لا يعلم عنها الإنسان شيئا، وهي إدراكات كثيرة ومتعددة. . لذلك يخطئ من يقول إن ما لا يدرك بالحواس البشرية الظاهرة هو غيب. . لأن هناك ملكات وإدراكات متعددة تعمل بغير علم منا. لو أعطى لطالب تمرين هندسي فحله وأتى بالجواب. . هل نقول أنه عَلِمَ غيبا؟ . . لأن حل التمرين كان غيبا عنه ثم وصل اليه. . لا. . لأن هناك مقدمات وقوانين أوصلته إلى هذا الحل. . والغيب بلا مقدمات ولا قوانين تؤدي إليه، وهل عندما تعلن الأرصاد الجوية أن غدا يوم مطير شديد الرياح. . أتكون قد عَلِمَتْ غيبا؟ . . لا. . لأنها أخذت المقدمات ووصلت بها إلى نتائج وهذا ليس غيباً. . وإذا جاء أحد من الدجالين وقال لك ان ما سرق منك عند فلان. . أيكون قد علم الغيب؟ . . لا. . لأنه يشترط في الغيب ألا يكون معلوما لمثلك. . وما سرق منك معلوم لمثلك. . فالسارق والذي بيعت له المسروقات يعرفان من الذي سرق، وما الذي حدث. . والشرطة تستطيع بالمقدمات والبصمات والبحث أن تصل إلى السارق ومن اشترى المسروقات. . وإذا جاءك دجال من الذين يسخرون الجن. . والمعروف أن الجن مستور عنا يمتاز بخفة الحركة وسرعتها. . والله سبحانه وتعالى يقول عن الشيطان: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] فقد يكون هذا المستعان به من الجن قد رأى شيئا. . أو انتقل من مكان إلى آخر. . فيعرف شيئا لا تعرفه أنت. . هذا لا يكون غيباً لأنك جهلته، ولكن غيرك يعلمه بقوانينه التي خلقها الله له. . والعلماء الذين يكتشفون أسرار الكون. . أيقال إنهم أطلعوا على الغيب؟ . . لا. . لأن هؤلاء العلماء اكتشفوا موجوداً له مقدمات فوصلوا الى هذه النتائج فهو ليس غيبا. ولكن ما هو الغيب؟ . . هو الشيء الذي ليس له مقدمات ولا يمكن أن يصل اليه علم خَلْقٍ من خلق الله حتى الملائكة. . واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى حينما عَلَّمَ آدم الأسماء كلها وعرضهم على الملائكة قال جل جلاله: {وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأسمآء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة فقال ....)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الطيب الشنهورى
مدير المنتدي
الطيب الشنهورى


عدد المساهمات : 10438
تاريخ التسجيل : 06/10/2011

في رحاب سورة البقرة   Empty
مُساهمةموضوع: رد: في رحاب سورة البقرة    في رحاب سورة البقرة   Icon_minitimeالثلاثاء مارس 07, 2017 6:06 pm

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
في رحاب سورة البقرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه
» في رحاب سورة يوسف
» في رحاب الجنة
» حول قصة البقرة الصفراء الفاقع لونها
» حول قصة البقرة الصفراء الفاقع لونها

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الطيب الشنهوري :: المنتدى الاسلامى-
انتقل الى: