{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الشورى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
هذه الآية أَصْرَحُ آيةٍ قرآنِيّةٍ في تَنْزِيهِ اللَّهِ تعالى عَنْ مُشَابَهَةِ الخَلْقِ كما ذكرَ الإمامُ النَّوَوِي في شرح صحيح مسلم.
فَلَوْ تَفَكَّرْنَا في هَذَا العَالمِ المَخْلُوقِ كَمَا أَمَرَانَا القُرْآنُ والسُّنَّةُ، وَجَدْنَاهُ مُرَكَّباً إمَّا من أجسامٍ كثيفةٍ (تضبطُ باليدِ) كالشَّجَرِ والحَجرِ والإنس والحيوان والأرض والكواكبِ، وإمّاَ من أجسامٍ لطيفةٍ (لا تُضبط باليد) كالنُّورِ والظلامِ والرُّوحِ والجِنِّ والمَلَائِكَةِ. قالَ تعالى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}.
ثم هذه الأجسامُ كُلُّهَا جَعَلَها اللهُ إماَّ متحرِّكَةً أو ساكنةً؛
وجَعَلَهَا اللهُ ذَاتَ أشكالٍ وأحْجَامٍ ومقاديرَ. قالَ تعالى: {وكُلُّ شَىءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}؛
وجَعَلها ذاتَ ألوانٍ وطِبَاعٍ متنوِّعةٍ مِنها الساخنُ والباردُ واليابسُ والرَّطْبُ؛
وهذه الأجسامُ كُلُّهَا، سواءٌ الكثيفَةَ كالقمرِ أو اللّطيفةَ كالنورِ، محصورةٌ في مكانٍ: فإمّا هيَ فوقَ شيءٍ أو تحتَ شيءٍ أو أمامَ شيءٍ أو خَلْفَ شيءٍ أو عنْ يمين أو عنْ يسارٍ. قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.
فلو كان اللهُ جِسْماً كثيفاً أو لطيفاً لَكانَ لهُ أمثالٌ وأشباهٌ لا تٌحصى. حاشاهُ سبحانه فاللهُ ليسَ جِسْماً لاَ كثيفاً ولاَ لَطيفاً.
ولو كانَ اللهُ "حَجْماً" وذَا مِقدارٍ أو لَوْنٍ لَكَانَ لَهُ أمثالٌ لاَ تُحْصَى.
ولو كَانَ لِلَّهِ "شكْلٌ" لَكَانَ سبحانَهُ مُمَاثِلاً لِمَا خَلَقَ والعياذُ بالله.
وَلوْ كانَ اللَّهُ مُتَحرِّكاً أوْ ساكِناً لَكانَ لِلَّهِ أمثَالٌ لا تُحْصَى.
ولو كانَ اللهُ "محصوراً" في مكانٍ لَكَانَ "حجْماً" و من كان حجما يشبهنا و من يشبهنا يجوز عليه ما يجوز علينا من الموت و الفناء و من جاز عليه الموت و الفناء لا يكون خالقا
فسبحانَ الخالقِ الذي ليسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ، مَنْ تعْجَزُ الأفهامُ عنْ إدْراكِ حَقيقَتِهِ، الموجودِ قَبْلَ كُلِّ شيءٍ والغَنيِّ عن كُلِّ شيءٍ، تَباركَ وتعالى وتنزَّهَ وتقدَّسَ عمَّا
يصِفُهُ الجَاهِلون.
فالمُسْلِمُ يَعْتَقِدُ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ إِدْرَاكِ ذَاتِ اللَّهِ (أي حَقيقَتِهِ). وهذا هو التَّوْحِيدُ بِعَيْنِهِ.