كن جميلا
إيليا أبو ماضي
......................
أيّهذا الشّاكي وما بك داء** كيف تغدو اذا غدوت عليلا؟
إنّ شرّ الجناة في الأرض نفس** تتوقّى، قبل الرّحيل الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود وتعمى** أن ترى فوقها النّدى إكليلا
هو عبء على الحياة ثقيل** من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا
والذي نفسه بغير جمال **لا يرى في الوجود شيئا جميلا
ليس أشقى مّمن يرى العيش مرا** ويظنّ اللّذات فيه فضولا
أحكم النّاس في الحياة أناس** عللّوها فأحسنوا التّعليلا
فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه **لا تخف أن يزول حتى يزولا
وإذا ما أظلّ رأسك همّ** قصّر البحث فيه كيلا يطولا
أدركت كنهها طيور الرّوابي** فمن العار أن تظل جهولا
ما تراها والحقل ملك سواها** اتخذت فيه مسرحا ومقيلا
تتغنّى والصّقر قد ملك الجوّ **عليها والصائدون السّبيلا
تتغنّى وقد رأت بعضها** يؤخذ حيّا والبعض يقضي قتيلا
تتغنّى وعمرها بعض عام** أفتبكي وقد تعيش طويلا؟
فهي فوق الغصون في الفجر تتلو **سور الوجد والهوى ترتيلا
وهي طورا على الثرى واقعات** تلقط الحبّ أو تجرّ الذيولا
كلّما أمسك الغصون سكون **صفّقت الغصون حتى تميلا
فإذا ذهّب الأصيل الرّوابي **وقفت فوقها تناجي الأصيلا
فأطلب اللّهو مثلما تطلب **الأطيار عند الهجير ظلاّ ظليلا
وتعلّم حبّ الطلّيعة منها** واترك القال للورى والقيلا
فالذي يتّقي العواذل يلقى **كلّ حين في كلّ شخص عذولا
أنت للأرض أولا وأخيرا** كنت ملكا أو كنت عبدا ذليلا
لا خلود تحت السّماء لحيّ** فلماذا تراود المستحيلا ؟..
كلّ نجم إلى الأفوال ولكنّ آفة النّجم أن يخاف الأفولا
غاية الورد في الرّياض ذبول** كن حكيما واسبق إليه الذبولا
وإذا ما وجدت في الأرض ظلاّ** فتفيّأ به إلى أن يحولا
وتوقّع إذا السّماء اكفهرّت** مطرا يحيي السهولا
قل لقوم يستنزفون المآقي **هل شفيتم مع البكاء غليلا؟
ما أتينا إلى الحياة لنشقى** فأريحوا أهل العقول العقولا
كلّ من يجمع الهموم عليه** أخذته الهموم أخذا وبيلا
كن هزارا في عشّه يتغنّى** ومع الكبل لا يبالي الكبولا
لا غرابا يطارد الدّود في الأرض** ويوما في اللّيل يبكي الطّلولا
كن غديرا يسير في الأرض **رقراقا فيسقي من جانبيه الحقولا
تستحم النّجوم فيه ويلقى** كلّ شخص وكلّ شيء مثيلا
لا وعاء يقيّد الماء حتى** تستحل المياه فيه وحولا
كن مع الفجر نسمة توسع** الأزهار شمّا وتارة تقبيلا
لا سموما من السّوافي اللّواتي** تملأ الأرض في الظّلام عويلا
ومع اللّيل كوكبا يؤنس الغابات **والنّهر والرّبى والسّهولا
لا دجى يكره العوالم والنّاس** فيلقي على الجميع سدولا
أيّهذا الشّاكي وما بك داء **كن جميلا تر الوجود جميلا