قصة ( ابن آوى والأسد والحمار )
من روائع "كليلة ودمنة " ....لابن المقفع
******************************? *
...زعموا أنه كان أسد في أجمة "غابة"، و كان معه ابن آوى، يأكل من فضلات طعامه . فأصاب الأسد جرب و ضعف شديد، و جهد فلم يستطع الصَيد.
فقال له ابن آوى: ما بالك يا سيد الأسباع قد تغيرت أحوالك ؟
قال: هذا الجرب الذي قد جهدني و ليس له دواء إلا قلب حمار و أذناه . قال له ابن آوى ما أيسر هذا،
و قد عرفت بمكان حمار مع قصار يحمل عليه ثيابه ، وأنا آتيك به. ثم دلف إلى الحمار ،فأتاه و سلم عليه و قال له : ما لي أراك مهزولا ؟ قال : لسوء تدبير صاحبي ، فإنه لا يزال يجيع بطني و يثقل ظهري ، و ما تجتمع هاتان الحالتان على جسم إلا أنحلتاه
و أسقمتاه . فقال له: كيف ترضى المقام معه على هذه الحال ؟ قال: مالي حيلة للهرب منه ، فلست أتوجه إلى جهة إلا أضر بي إنسان فكدَني وأجاعني.
قال ابن آوى: فأنا أدلَك على مكان معزول عن الناس لا يمر به إنسان ،خصيب المرعى فيه قطيع من الحمر ترعى آمنة مطمئنة.
قال الحمار : و ما يحبسنا عنها فانطلق بنا إليها . فانطلق به نحو الأسد، وتقدم ابن آوى، و دخل الغابة على الأسد، فأخبره بمكان الحمار. فخرج إليه
و أراد أن يثب عليه ، فلم يستطع لضعفه ومرضه ،و تخلص الحمار منه فأفلت هلعا هاربا .فلما رأى ابن آوى أن الأسد لم يقدر على الحمار قال له: يا سيد الأسباع أعجزت إلى هذه الغاية ؟ فقال له: إن جئتني به مرة أخرى فلن ينجو مني أبدا ً. فمضى ابن آوى إلى الحمار فقال له: ما الذي جرى عليك ؟ إن أحد الحُمر رآك غريبا فخرج يتلقاك مرحَباً بك ، و لو ثبتَ لآنسك و مضى بك إلى أصحابه .
فلما سمع الحمار ذلك، فكأنه لم ير أسدا قط َ،
وصدَق ما قاله ابن آوى و أخذ طريقه إلى الأسد. فسبقه ابن آوى إلى الأسد و أعلمه بمكانه و قال له: استعد له فقد خدعته لك، فلا يدركـنـَك الضعف في هذه النوبة، فإن أفلت فلن يعود معي أبدا ً، و الفرص لا تصاب في كل وقت.
فجاش جأش الأسد لتحريض ابن آوى له، و خرج إلى موضع الحمار ، فلما بصر به عاجله بوثبة افترسه بها ، ثم قال: لقد ذكرت الأطباء أنه لا يؤكل إلا بعد الاغتسال و الطهور ، فاحتفظ به حتى أعود ، فآكل قلبه و أذنيه ، و أترك لك ما سوى ذلك قوتــًا لك .
فلما ذهب الأسد ليغتسل عمد ابن آوى إلى الحمار، فأكل قلبه و أذنيه رجاء أن يتطير الأسد منه فلا يأكل منه شيئا. ثم إن الأسد رجع إلى مكانه فقال لابن آوى: أين قلب الحمار و أذناه ؟ قال ابن آوى: ألم تعلم أنه لو كان له قلب يعقل به، و أذنان يسمع بهما لم يرجع إليك بعدما أفلت و نجا من التهلكة !!!
.....................